أحكام التقييد بالرسم العقاري في ظل القانون 14.07
أحكام التقييد بالرسم العقاري في ظل قانون 14.07
الأستاذ رشيد صديقي محام بهيئة مراكش.
مما لاشك فيه أن أي تصرف عقاري يتم تسجيله بالرسم العقاري يصبح الحق بمقتضاه موجودا وثابتا، والتقييد حينما يتم إقراره من طرف المحافظ فإنه يصبح حجة رسمية على وجود الحق في مواجهة الجميع، ولا يمكن الاستدلال على وجود هذا الحق، أو انعدامه، بأية وسيلة أخرى خارج البيانات المقيدة بالرسم العقاري، على أن هذه الحجية ليست مطلقة بل إن قوتها في الاثبات مرتبطة بمدى صحة التصرف وحسن نية الأطراف[1].
أولا: الأثر المنشئ للتقييد
يقصد بالأثر الإنشائي أن أي حق متعلق بعقار محفظ لا يوجد إلا بالتقييد، وابتداء من تاريخ التقييد، ومن ثم فكل حق عيني يتعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود ولو بين الأطراف، إلا من تاريخ تقييده في الرسم العقاري، وقد تبنى المشرع المغربي هذا المبدأ في الفصلين 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري، والمادة الثانية من مدونة الحقوق العينية، كما تم تكريسه بواسطة عدة اجتهادات و قرارات قضائية، خلافا لبعض التشريعات التي تتبنى نظام الإشهار العيني والتي تجعل من الأثر الإنشائي يسري فقط تجاه الغير، أما بين الأطراف فالتقييد لا يكتسب مثل هذا الأثر الإنشائي[2].
كما أن التشطيب هو الذي يسقط الحق في حالة تقييده، أي أن للتشطيب أيضا أثرا إنشائيا، بحيث إذا لم يبادر الشخص المستفيد من التشطيب إلى إجرائه، فقد تنجم عن ذلك مشاكل قانونية وعملية ترتبط أساسا بالحجية الثبوتية التي تتمتع بها التقييدات الواردة بالرسم العقاري[3].
ثانيا: حجية التقييد بالرسم العقاري
إن التقييدات المضمنة بالرسم العقاري لها قوة في الإثبات، وهي تشكل حجة ودليلا قويا فيما بين الأطراف، وفي مواجهة الغير على أن المالك المقيد اسمه بالرسم العقاري هو فعلا صاحب الحق، وأنه لا يمكن تغيير هذه التقييدات أو إبطالها أو التشطيب عليها من الرسم العقاري إلا بمقتضى تقييد جديد وذلك ما ينص عليه الفصل 67 من ظهير التحفيظ العقاري المغير والمتمم بالقانون رقم 07-14 على:” أن الأفعال الإرادية والاتفاقات التعاقدية ، الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه ، لا تنتج أي أثر ولو بين الأطراف إلا من تاريخ التقييد بالرسم العقاري، دون الإضرار بما للأطراف من حقوق في مواجهة بعضهم البعض، وكذا إمكانية إقامة دعاوى فيما بينهم بسبب عدم تنفيذ اتفاقاتهم”.
باستقراء مقتضيات هذا الفصل نستنتج أن التقييد له حجية نسبية بين الأطراف، غير أن التقييد بالرسم العقاري ليس له تأثير في صحة التصرف، ولا تترتب عليه إزالة العيوب التي تكون عالقة بالسند الذي تم على أساسه التقييد، بحيث يجوز الطعن في هذا التقييد متى كانت هناك أسباب تسمح بذلك، لأن التقييد لا يصحح العقد الباطل ولا يجيزه ولا يقرره، وهذا يعني أن حجية التقييدات بالرسم العقاري ليست سوى مجرد قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس.
إن المشرع المغربي عندما جعل من التقييد في الرسم العقاري قرينة على وجود الحق وثباته، ربط ذلك بمبدأ حسن النية، استنادا إلى مقتضيات الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري المغير والمتمم بالقانون رقم 07-14 والمادة الثانية من مدونة الحقوق العينية، بقراءتنا لهذين الفصلين نستخلص أن للتقييدات المضمنة بالسجلات العقارية، قوة ثبوتية مطلقة بالنسبة للغير حسن النية بمعنى أن الغير الذي وثق بما هو مدون بالسجل العقاري وتعامل مع المالك للرسم العقاري بوصفه مالكا حقيقيا وقام بتقييد تصرفه، فإن ما يقع من إبطال أو تغيير لاحق لا يمكن أن يلحق به أي ضرر ما دام هذا الغير قد تعامل بحسن نية، لكن المشرع قد قلص من الحجية المطلقة لتقييدات الغير حسن النية، خاصة إذا كان صاحب الحق الحقيقي قد تضرر بسبب التدليس أو الزور أو استعماله، وربط ذلك بأجل أربع سنوات لقبول رفع دعوى المطالبة بحقه [4]، وبمفهوم المخالفة نستنتج بأنه يمكن التمسك بإبطال التقييد في مواجهة سيء النية، الذي لا يستطيع أن يدرأ على نفسه البطلان أو الإبطال بما قيد بالرسم العقاري وسريانه بأثر رجعي، بل وتجريده من الحق المكتسب استنادا إلى التقييد المشوب بالغش، معاملة له بنقيض قصده[5].
هذا فضلاً عن إشهار الحقوق العينية الواردة على العقارات المحفظة سواء كان الأمر مرتبط بحقوق قابلة للتقييد النهائي بالرسم العقاري، أو بتقييد إحتياطي باعتباره إجراء وقائي و تحفضي للحقوق المقبلة على تقييداً نهائياً،
وأمام هذه التقييدات بالرسم العقاري التي يتخللها إشهار لكل الحقوق المترتبة عليها لا محال سوى في ترتيب آثاراً يتجلى أولها في الأثر المنشئ للتقييد باعتبار أن التقييد بالرسم العقاري لا يرتب أي أثارا اتجاه طالبيه إلا من خلال التقييد بالرسم العقاري، و يتجلى ثاني هذه الآثار في ذلك الحجية التي يخولها التقييد بالرسم العقاري اتجاه صاحب الحق.
وبالتالي يتضح أن المشرع قد توجه عبر نظام الإشهار العقاري بهدف الوصول إلى الغاية الرئيسية ألا وهي السعي في تحقيق وضع قار للملكية العقارية من جهة، و العمل على ضمان أصحاب الحقوق العينية من جهة أخرى.
[1] محمد خيري ,مستجدات قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، ط 2018,ص: 549.
[2] عبد العالي دقوقي، نظام التحفيظ العقاري بالمغرب بين النظرية و التطبيق -دراسة في الاجتهاد القضائي و الإداري-، طبعة 2020، ص:279.
[3] عبد العالي دقوقي، المرجع السابق، نفس الصفحة.
[4] سعاد رايب، حماية الغير في نطام التحفيظ العقاري، الطبعة الأولى 2022، ص: 109-110.
[5] أشرف جنوي. محسن الصويب، المفيد في أحكام التحفيظ و التقييد في ضوء مستجدات القانون رقم 14-07 المغير و المتمم لظهير التحفيظ العقاري، الطبعة الأولى 2019،ص: 233.