أحكام عقد التسيير الحر في التشريع المغربي
الأستاذ رشيد صديقي محام بهيئة المحامين بمراكش
مما لاشك فيه أن المشرع المغربي أصدر بتاريخ 31 دجنبر 1914 ظهيرا شريف يتعلق ببيع الأصل التجاري ورهنه، اقتصر في تنظيمه للتصرفات القانونية التي ترد على الأصل التجاري على البيع والرهن فقط، ولم ينظم غيرها من التصرفات خصوصا تلك التي تهم استغلال الأصل التجاري وذلك على الرغم من أهميتها وتعدد صورها التي تتخذ عدة أشكال أهمها :
- استغلال الأصل التجاري بواسطة مالكه الذي يقوم بنفسه في هذه الحالة بممارسة التجارة أو الصناعة باسمه ولحسابه الخاص.
- استغلال الأصل التجاري بواسطة مسير مأجور يعهد إليه بإدارة الأصل التجاري بمقتضى عقد عمل، ويعمل هذا الأخير باسم مالك الأصل ولحسابه، ويعد في مركز المستخدم التابع في علاقته بمالك الأصل ويحكم العلاقة بينهما قانون الشغل، وبالتالي فإن هذا المسير لا يكتسب صفة التاجر ولا يلتزم بالتزامات التجار، على خلاف المالك الذي يظل تاجرا.
- لجوء مالك الأصل التجاري إلى شخص أخر لإدارة هذا الأصل بمقتضى عقد وكالة وليس عقد عمل، ويلجأ التاجر إلى هذه الوسيلة عندما يرغب في فتح فروع لتجارته، فيعهد بإدارتها إلى مدير مستقل يتمتع بحرية التصرف في إدارته للأصل، وعلى هذا التصور يمكنه التعاقد مع الغير لحساب الأصل التجاري، ويلتزم مالك هذا الأخير في مواجهة الغير بكافة تصرفات المدير كما لو أبرمت من طرفه، طالما لم يتجاوز المسير سلطاته[1].
- لجوء مالك الأصل التجاري إلى كراء أصله لمسير حر يستقل باستغلاله باسمه ولحسابه الخاص مقابل أجرة متفق عليها، حيث تنفصل ملكية الأصل التجاري عن استغلاله
- ويكتسب بذلك هذا المسير صفة تاجر، ويتحمل تبعا لذلك التزامات التجار.
كما نجد ظهير 1916 الذي نظم بعض العناصر المعنوية للأصل التجاري (ملكية الفكرية والصناعية)، وكذلك ظهير 1955 المنظم للكراء التجاري وقد ظلت هذه الظهائر وغيرها لإحكام الأصل التجاري، إلى أن صدرت مدونة التجارة التي حملت معها العديد من التعديلات وضمت بين دفتيها أحكام بيع ورهن الأصل التجاري وعقد التسيير الحر الذي كان خاضعا للقواعد العامة فيما سبق وهكذا عمد المشرع المغربي على وضع أحكام قانونية خاصة بالتسيير الحر للأصل التجاري ضمن الأحكام التي نظم بها الأصل التجاري والعقود التي ترد عليه، حيث أفرد له سبع مواد من 152 إلى 158 من مدونة التجارة .
المحور الأول: مفهوم عقد التسيير الحر
لقد عرفته الفقرة الأولى من المادة 152 من مدونة التجارة بأنه : «… كل عقد يوافق مالك الأصل التجاري أو مستغله على اكرائه كلا أو بعضا لمسير يستغله تحت مسؤولـته [2] ».
وبالرغم من سلامة هذا التعريف فإنه من جهة يعد ناقصا بالمقارنة مع التعريف الذي كان القـضاء المغربي قد وضعه في هذا الإطار في ظـل القانون التجاري القديـم لسـنة 1913 [3] كما أنه من جهة أخرى محل انتقاد من طرف بعض الفقه المغربي.
وعلى مستوى التشريعات العربية نجد أن بعض القوانين قد وضعت لعقد التسيير الحر تعريفا أعم من ذلك الذي وضعه المشرع المغربي في المادة 152 من مدونة التجارة الجديدة، وهكذا جاء في المادة 203 من القانون التجاري الجزائري أن التسيير الحر للأصل التجاري هو «كل عقد أو اتفاق يتنازل بواسطته المالك أو المستأجر لمحل تجاري (أي لأصل التجاري) عن كل أو جزء من تأجير لمسير بقصد استغلاله على عهدته، ويعتبر باطلا كل شرط يخالف ذلك».
حيث انتقد بعض الفقه عدم نص المشرع صراحة على التزام المسير بأداء أجرة للمالك، لأن المقابل الذي يؤديه المسير أيا كان شكله يعتبر ركنا أساسيا في عقد التسيير الحر، ولذلك كان ينبغي التنصيص عليه في التعريف، إذ لا يمكن تصور عقد كراء بدون مقابل أو أجرة و إلا اتخذ وصفا آخر، ويرى الأستاذ أحمد أدريوش « أن مشرع المادة 152 المذكورة لم ينص صراحة على التزام المسير بأداء أجرة للمالك وهو موقف منتقد عليه لأن المقابل الذي يؤِديه المسير أيا كان شكله، يعتبر ركنا أساسيا في عقد التسيير الحر ولذلك
كان ينبغي التنصيص عليه في التعريف، ويضيف الأستاذ ” أدريوش ” ونعتقد أنه موقف مقصود منه حتى لا يقيد المتعاقدان اللذان قد لا يتفقان على أجرة محددة يدفعها المسير وإنما يتفقان على التسيير الحر مقابل نصيب في الأرباح مثلا، وهو ما اعتبره القضاء أيضا عقد تسيير حر وليس عقد شغل[4] ،أو لأنه عقد إيجار ولا يتصور فيه انعدام الأجر.
المحور الثاني: طبيعة عقد التسيير الحر
إن المادة 152 من مدونة التجارة قد حددت طبيعة عقد التسيير الحر بأنه عقد كراء ينشئ حقوقا والتزامات في ذمة المتعاقدين، ويقوم عقد التسيير الحر على عنصريين، فهو من جهة كراء لمال منقول وهو الأصل التجاري، إذ أن طبيعة الشيء محل عقد التسيير الحر والذي هو مال منقول معنوي تجعله يخضع للمقتضيات الخاصة الواردة بمدونة التجارة والقواعد العامة المتعلقة بالكراء المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود ولا تطبق عليه القواعد الخاصة بكراء المحلات التجارية أي العقارات المقام فيها الأصل التجاري
” ظهير 24 ماي 1955 وظهير 5 يناير1953 “.
ومن جهة أخرى فإن المسير الحر للأصل التجاري يتمتع باستقلالية في استغلال الأصل التجاري حيث يستغله باسمه ولحسابه الخاص ويستفيد من أرباحه ويتحمل خسائره بعيدا عن أية تبعية لمالكه، حيث أكد المجلس الأعلى على أن « التسيير الحر يقتضي الاستقلال في التصرف عن طريق الكراء أو غيره »[5] وهو المقصود من عبارة « تحت مسؤوليته » التي استعملها المادة 152 حتى وإن كان المكري يتمتع برقابة على حسابات الأصل التجاري لتحديد الأجر المستحق في حالة تحديد هذا الأخير على أساس نسبة من الأرباح، إلا أنه لا يتم بقصد التدخل في التسيير أو استغلال الأصل التجاري، بمعنى أن الرقابة هنا ليست على الاستغلال بل على نتائجه .
ومبدأ الاستقلالية التي يتمتع بها المسير الحر تتخذ مظاهر متعددة منها :
- طبيعة الأنشطة التي يقوم بها المسير الحر تجعله يستغل الأصل التجاري، كما لو كان مالكه الحقيقي[6].
- مزاولة المسير الحر النشاط التجاري باسمه ولحسابه الخاص يجعله غير خاضع لمالك الأصل التجاري .
- تحمله مخاطر النشاط الذي يزاوله، فيكون بذلك مسؤولا عن نتائج استغلاله يستفيد من الأرباح ويتحمل الخسائر .
حمله لصفة التاجر بمقتضى القانون .
[1] تنص المادة 895 من ق.ل.ع على : « الوكيل أن ينفد بالضبط المهمة التي كلف بها فلا يسوغ أن يجري أي عمل يتجاوز أو تخرج عن حدود الوكالة » .
[2] عرف المشرع الفرنسي عقد التسيير الحر بمقتضى القانون رقم 277-56 الصادر في 20 مارس 1959. وقد عرف الفصل 260 من هذا القانون التسيير الحر بمايلي :« كل عقد أو اتفاق يتنازل بواسطته المالك أو المستغل لأصل تجاري أو لمؤسسة للصناعة التقليدية، يسلم كليا أو جزئيا الكراء تحت مسؤوليته».وكان المشرع قد عرف التسيير منذ 17 ماي 1909 بأنه : « عقد بمقتضاه يِؤجر مالك الاصل التجاري استغلاله للغير الذي يتحمل الخسائر ويستفيد من الأرباح التي تنجم عن هذا الاستغلال وذلك مقابل أجرة معينة يؤديها المستأجر للمؤجر أو مالك الاصل التجاري موضوع التسيير الحر » كما يمكن لمالك الأصل التجاري أن يسند إدارة متجره لشخص آخر مقابل أجر محدد أو جزء من الربح، كما يمكنه أيضا أن يكري أصله التجاري لشخص آخر. وبناء على مقتضيات الفصل 627 من قانون الالتزامات والعقود، والمتعلق بتعريف الكراء نورد التعريف التالي للتسيير للأصل التجاري : « التسيير الحر للأصل التجاري عقد بمقتضاه يسلم أحد طرفيه أصله التجاري للطرف الاخر لادارته لمدة معينة وتحت مسؤوليته مقابل أجر يلتزم الطرف المسؤول عن الإدارة بدفعها له ». وهذا التعريف مبني على اعتبار التسيير الحر للاصل التجاري يعد عقدا كرائيا عاديا وبالتالي تسري عليه الاحكام الخاصة بعقد الكراء الواردة في ق.ل.ع المغربي .
[3]– محمد لفروجي : التاجر وقانون التجارة بالمغرب-الطبعة الثانية-مطبعة النجاح الحديدة-الدار بيضاء 1999
ص:196 .
[4] المحكمة الابتدائية، الدار بيضاء حكم عدد 1957 بتاريخ 5يونيه 1984 في الملف الاجتماعي عدد 8137/2 أورده محمد مومن – مرجع سابق – ص: 41 .
[5] قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 4/10/1993 في الملف الاجتماعي عدد 8010/91، أدرجه محمد مومن المرجع السابق – ص :43
[6] محمد مومن : التسيير الحر للأصل التجاري في القانون المغربي- الطبعة الأولى-المطبعة والوراقة الوطنية الحي المحمدي-الداوديات-مراكش- 2005
ص :43