إشكالية تبليغ الأحكام القضائية في القانون المغربي

إشكالية تبليغ الأحكام القضائية في القانون المغربي

   إن تنصيص المشرع على ضرورة تبليغ الأحكام المدنية لمن يعتبر طرفا فيها عملا بقاعدة نسبية الأحكام ، ينسجم مع مبدأ التقاضي على درجتين ، وحق المحكوم عليه في ممارسة الطعون المخولة له قانونا داخل آجال قانونية ينطلق سريانها ابتداء من تاريخ التبليغ الذي قد يتم بناء على من له مصلحة ، أو تلقائيا من طرف كتابة الضبط ، قبل صيرورة الحكم نهائيا وقابلا للتنفيذ

  فماهي إذن الاشكالات المطروحة بخصوص تبليغ الأحكام من أجل الطعن فيها سواء تعلق الأمر بالتبليغ بناء على طلب من له مصلحة أو بالتبليغ التلقائي ؟ وهل يمكن تبليغ الأحكام التي اعتبرها المشرع غير قابلة لأي طعن بمجرد النطق بها؟

 

أولا: التبليغ بناء على طلب من له مصلحة

إن تبليغ الأحكام كقاعدة عامة يتم من الناحية العملية بناء على طلب من له مصلحة وفق مقتضيات الفصل 54 من ق م م التي تنص على انه “يرفق تبليغ الحكم بنسخة منه مصادق على مطابقتها لهذا الحكم بصفة قانونية . ترسل وتسلم طبقا للشروط المحددة في الفصول 37-38-39 . وإذا تعلق الأمر بتبليغ إلى قيم وقع ذلك ضمن المقتضيات المشار إليها في الفصل 441 من ق م م .

وإذا كان الأصل في من يطعن في الحكم هو عدم تبليغه إليه ، فإن على من يدعي العكس إثبات حصول التبليغ للطاعن بصفة قانونية أمام المحكمة المعروضة عليها القضية .

وهذا مايستتبع لزاما الإشكال المطروح حول إمكانية الطعن في التبليغ من قبل الطرف المتضرر والتمسك به كدفع أمام محكمة الطعن، أم أن الأمر يقتضي رفع دعوى أصلية ترمي إما إلى بطلان إجراءت التبليغ التي انتهت بصدور حكم قضائي، أو بطلان تبليغ الحكم المذكور ؟

على أن العمل القضائي المغربي يسير أحيانا في اتجاه منع رفع دعوى بطلان التبليغ أمام المحكمة الابتدائية بالرغم من عدم وجود أي نص يقضي بذلك ، إذ جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط[1] بمناسبة الرد على طلب لإيقاف البت في القضية إلى حين البت في التبليغ المقدم كدعوى اصلية أمام المحكمة الابتدائية بالرباط ما يلي : “حيث إن الطعن في إجراءات تبليغ الأمر بالأداء ينبغي تقديمه ضمن أسباب الاستئناف وليس تقديمه في شكل مقال افتتاحي أمام المحكمة الابتدائية. فدور محكمة الاستئناف لا يقتصر على مراقبة الحكم الابتدائي بل يمتد إلى مراقبة اجراءات التبليغ التي تقوم بها كتابة الضبط بعد صدور الحكم المستانف مما تكون معه دعوى بطلان إجراءات التبليغ أمام المحكمة الابتدائية التي أشارت إليها المستأنفة غير ذات أثر للبت من طرف محكمة الاستئناف”.

كما أكد المجلس الأعلى[2] تواتر على تكريس نفس التوجه معتبرا أن:  المنازعة الجدية في إجراءات التبليغ لا تمارس إلا بواسطة الطعن صراحة فيها أمام محكمة الموضوع للفصل فيها”.

 ثانيا : التبليغ التلقائي من طرف كتابة الضبط.

سوف نتناول موضوع هذه الفقرة من خلال الحديث عن التبليغ التلقائي المنظم في الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية ( 1)، ثم نعالج التبليغ التلقائي في نظام التحفيظ العقاري ( 2 ).

1: التبليغ التلقائي طبقا للفصل 50 من ق م م :                                                                   

إن قراءة مقتضيات الفقرة الثامنة من الفصل 50 من ق م م تظهر بشكل جلي أن المشرع أضفى حصريا طابع التلقائية على تبليغ الأحكام والقرارت الحضورية من طرف كاتب الضبط بالجلسة ، إذ نص على أنه ” يبلغ كاتب الضبط حالا عند صدور الحكم حضوريا ومعاينة حضور الأطراف أو وكلائهم بالجلسة الحكم الذي صدر ويسلم لهم نسخة من منطوق الحكم ويشار في آخره إلى أن التبليغ والتسليم قد وقعا “.

إذا كان المقصود من مضامين الفصل أعلاه هو تبليغ نسخة من الحكم فإنه يتعذر من الناحية القانونية والعملية القيام بهذا الإجراء ، لأن كاتب الضبط يكون ملزما سلفا في هذه الحالة بتوفير نسخا كافية من الحكم مساوية لعدد الأطراف الحاضرين للنطق بالحكم ، وهذا يتنافى طبعا مع سرية المداولات وعدم تسريب منطوق الحكم لأي كان- ومن ضمنهم كاتب الضبط- إلا  عند النطق به بالجلسة العلنية .

وبذلك نخلص إلى القول بأن التوفيق بين إعمال مقتضيات الفقرة الثامنة من الفصل 50 ومضامين الفصل 53 من ق م م يقتضي عدم تسليم نسخة الحكم تلقائيا من طرف كاتب الضبط للطرف الحاضر بالجلسة إلا عند طلبها وفق ماهو منصوص عليه في الفصل 53 المذكور، الأمر الذي يستدعي تدخلا تشريعيا من أجل إلغاء مقتضيات التبليغ التلقائي لعدم جدواها في الواقع العملي، وحتى على فرض وقوعها لا تكون مستوفية للشروط المذكوة في الفصل 50 أعلاه ، وتكون بالتالي غير معتبرة لقيام التبليغ من الناحية القانونية. هذا فضلا على أن التبليغ بالجلسة يحرك أجل الاستئناف فقط ، دون أجل الطعن بالنقض حسبما أكده قرار المجلس الأعلى[3] الذي جاء فيه ما يلي:

 ” لا يسري أجل الطعن بالنقض في حق الشخص إلا إذا بلغ الحكم أو القرار إلى الشخص نفسه أو إلى موطنه الحقيقي طبقا لإجراءات التبليغ العادية المنصوص عليها في الفصول 37-38-39 من ق م م ، وأن التبليغ بالجلسة طبقا للفصل 50 من نفس القانون يحرك أجل الاستئناف إذا تم على الشكل المتطلب قانونا ولا أثر له على أجل الطعن بالنقض، ولهذا فإن الطعن بالنقض في هذا الحكم الصادر انتهائيا عن ابتدائية تفراوت في التاريخ أعلاه يكون داخل الأجل القانوني فهو مقبول شكلا “.

2 : التبليغ التلقائي طبقا للفصلين 40 و 47 من ظهير التحفيظ العقاري.

تتميز المرحلة القضائية لمسطرة التحفيظ العقاري بأهم خصوصية تتجلى في كون التبليغ يجب أن يتم بالموطن المختار[4] داخل أجل 08 أيام من تاريخ صدور الحكم عملا بمقتضيات الفصل 40 من ظ ت ع. ويتعين الإشارة في التبليغ إلى أنه بالإمكان الطعن بالاستئناف داخل الأجل المقرر في الفصل 134 من ق م م الجديد الحال محل الفصل 226 من ق م م القديم، علما أن هذا التبليغ لم يحدد له المشرع أي شكل ولم تتم الإحالة بشأنه على قانون المسطرة المدنية حسبما أكده المجلس الأعلى[5].

       وتجدر الإشارة إلى أن التبليغ التلقائي هو إجراء إلزامي تحت طائلة اعتبار التبليغ المختار لهذا الإجراء غير قانوني ولا يترتب عنه أي أثر[6]، وأن الذي يقع تبليغه تلقائيا إلى أطراف النزاع هو ملخص الحكم الابتدائي وليس نسخة الحكم الابتدائي.  في حين أوجب الفصل 47 من ظ ت ع[7] على ضرورة أن يتم تبليغ نسخة من القرار الاستئنافي إلى جميع الأطراف في الموطن الحقيقي أو المختار، وهذا مخالف لمقتضيات الفصل 358 من ق م م التي استبعدت العنوان المختار أثناء تبليغ الأحكام. كما أن التبليغ المذكور لا يكون صحيحا إلا إذا وقع التنصيص في التبليغ على أن بالإمكان الطعن بالنقض داخل الأجل المحدد في الفص 47 من ق م م.

[1] – قرار بتاريخ 25/5/98 في الملف التجاري عدد 5782/97 غير منشور- أشار إليه ذ عبيد الله العبدوني- مقال مسطرة بطلان التبليغ في ضوء العمل القضائي المغربي – منشور بمجلة كتابة الضبط عدد 4 و 5 – سنة يناير – ابريل –2000 ص 24).

[2] – قرار عدد 799 بتاريخ 24/06/2009 ملف اجتماعي عدد 1109/5/1/2008 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد مزدوج 124 – 125 –  ص 300 جاء في معرض حيثياته ما يلي:

” إن الاكتفاء بسرد الخروقات القانونية التي شابت إجراءات التبليغ في المقال الاستئنافي لا يقوم مقام الطعن الصريح لإجراءات التبليغ مما يجعل الإجراء صحيحا ومنتجا لآثاره. وأن تبليغ الحكم الابتدائي الذي وقع عن طريق البريد المضمون إلى المحكوم عليه يقع صحيحا ويؤدي إلى سريان أجل الطعن بالاستئناف من هذا التبليغ “.

[3] – قرار رقم 853 الصادر بتاريخ 6/5/1983 ملف مدني 74941 منشور بمؤلف ذ حسن البكري – م س – ص 115.

[4] – قرار المجلس الأعلى عدد 231 بتاريخ 15/05/1968 منشور بمجلة قضاء الملجلس الأعلى عدد 2 ص 27.

    – قرار المجلس الأعلى عدد 1057 بتاريخ 25/05/1983 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 32 ص 24.

[5] – قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 27/10/1977 منشور بمجلة القضاء والقانون – عدد 128 جاء فيه ما يلي:

” إن الظهير المطبق على العقارات المحفظة لا يشترط أي شكل معين للتبليغ. كما أنه لا يحيل على قواعد المسطرة المدنية في ذلك “.

[6] – قرار المجلس الأعلى عدد 1100 بتاريخ 16/5/1990 منشور بمجلة قضاء الملجلس الأعلى عدد 44 ص 18.

[7] – تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 47 من ظ ت ع على أن : ” الأحكام يجب تبليغها بنصها الكامل إلى جميع الأطراف في عناوينهم الحقيقية أو المختارة”.

إشكالية تبليغ الأحكام القضائية في القانون المغربي
Scroll to top