اشهار التصرفات العقارية الواردة على العقار في طور التحفيظ
الاستاذ رشيد صديقي محام بهيئة المحامين بمراكش.
العقار الذي لا زال خاضعا لمسطرة التحفيظ ولم يتخذ في حقه قرار تأسيس الرسم العقاري، يمكن أن يكون محلا لمجموعة من التصرفات سواء البيع أو الهبة أو الصدقة…، لكن متى قام المالك بإجراء أي تصرف قانوني على هذا العقار، استلزم عليه إشهاره عن طريق سلوك مسطرتي الإيداع، أو الخلاصة الإصلاحية حسب اختيار المستفيد من التصرف، وهما مسطرتان نظمهما المشرع في الفصلين 83 و 84 من ظ ت ع، وعليه سنخصص الدراسة في هذا الموضوع للحديث عن الإجراءات الواجب اتباعها لسلوك مسطرتي الإيداع و الخلاصة الإصلاحية ( الفقرة الأولى)، وكذا عن الآثار المترتبة عن إعمال هاتين المسطرتين مع التطرق لأهم الإشكالات التي تنتج عنهما ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الإجراءات المسطرية لمسطرة الإيداع والخلاصة الإصلاحية
سنخصص هذه الفقرة للحديث عن الشروط الشكلية و الموضوعية لكل من مسطرة الإيداع (أولا)، و مسطرة الخلاصة الإصلاحية ( ثانيا).
أولا: الشروط الشكلية والموضوعية لمسطرة الإيداع
هذه المسطرة تجد سندها القانوني في الفصل 84 من ظ ت ع ، وهي آلية وضعها المشرع لإشهار الحقوق العينية القابلة للإيداع، لكن سلوك هذه المسطرة يستلزم توفر مجموعة من الشروط يمكن تقسيمها كالتالي:
من خلال الفصل 84 من ظ ت ع يمكننا أن نستنتج هذه الشروط فيما يلي:
- أن يكون التصرف القانوني موضوع مسطرة الإيداع وارد على عقار في طور التحفيظ، سواء كان التصرف بعوض أو بغير عوض، وبمفهوم المخالفة فإن العقارات غير المحفظة أو المحفظة لا تخضع لمسطرة الإيداع لأن الحقوق الواردة على هذه الأخيرة لها طرق خاصة لحمايتها[1].
- أن يكون الحق موضوع مسطرة الإيداع من الحقوق القابلة للإشهار
المقصود هنا بالحقوق القابلة للإشهار تلك المنصوص عليها في الفصل 65 من ظ ت ع و التي تجد مصدرها في الاتفاقات التعاقدية، و الأفعال الرامية إلى تأسيس حق عيني من الحقوق المنصوص عليها في المادتين 9 و 10 م ح ع، وجميع الوقائع المنشئة، أو التصرفات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض، وكافة الأعمال التي تجد مصدرها في القانون، كمحضر الحجز العقاري، و الحجز التحفظي، و الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به المقررة لنشوء حق عقاري، ومحضر البيع بالمزاد العلني، ويستثنى من جميع ما ذكر واقعة الوفاة بحيث لا تخضع لزوما لمسطرة الإيداع لأن الورثة محقون في أي وقت سواء أثناء مسطرة التحفيظ أو بعد تأسيس الرسم العقاري من تسجيل اراثتهم بالمحافظة العقارية[2].
- أن تكون الحقوق والتصرفات واجبة التقييد حالة وقائمة
هذا الشرط يعني أن تكون هذه الالتزامات أو التصرفات المبرمة بشأن تلك الحقوق أو لإحداث التزامات وتصرفات تامة و صحيحة، تتوفر فيها كل مقومات وشروط العقد أو الحالة المدنية الواجبة للإيداع، وتجعل الحق نهائيا وغير إحتمالي.[3]
إلى جانب الشروط الموضوعية المذكورة أعلاه هناك شروط شكلية يتيعن توفرها حتى تكون هذه المسطرة صحيحة هذه الشروط يمكننا أن نحددها من خلال ما يلي:
- إيداع السندات المثبتة للحق بالمحافظة العقارية
اشترط الفصل 84 من ظ ت ع في فقرته الأولى على الشخص الذي اكتسب حقا على عقار في طور التحفيظ، أن يقوم بإيداع الوثائق المثبتة لانتقال ذلك الحق إليه مع كل الوثائق اللازمة للتسجيل بالرسم العقاري إذا سمحت المسطرة بذلك بالمحافظة العقارية الموجود بدائرتها العقار المطلوب تحفيظه، وذلك من أجل ترتيبه بين أصحاب الحقوق عبر ضمان الرتبة في التسجيل، وكذلك لجعل حقوقه صالحة لمواجهة الغير وهذا ما يطلق عليه ” الإيداع” قصد التقييد بالرسم العقاري المزمع تأسيسه”[4].
وهذه الوثائق تقدم في شكل طلب إلى المحافظ على الأملاك العقارية حيث يقوم هذا الأخير بدراسته وتسجيل ملاحظاته، وفي حال قبوله لهذا الطلب يحدد الرسوم القانونية التي يجب على المعني بالأمر أداءها ثم يؤشر على الطلب المذكور بعبارة صالح للإيداع، كما تجدر الإشارة على أن هذا الطلب يجب أن يتضمن عدة بيانات متعلقة بالمستفيد من الحق الناشئ أثناء مسطرة التحفيظ كاسمه الكامل، وحالته المدنية، ومحل سكناه، أو موطنه المختار إن اقتضى الحال، وكذا تصريحه باختيار طريقة الإيداع عن طريق الفصل 84 من ظ ت ع[5].
واستنادا على ما نص عليه الفصل 72 من ظ ت ع فإن المحافظ ملزم بالتحقق من الوثائق المدلى بها إليه من طرف المستفيد من الحق شكلا و جوهرا، وأن يتأكد من أن التقييد موضوع الطلب لا يتعارض مع مقتضيات قانون 14.07، و أنها تجيز التقييد.
- استخلاص الرسوم الخاصة بالإيداع
كما هو الحال بالنسبة لإجراءات التحفيظ فإن عملية التقييد في الرسوم العقارية، أو الإيداع طبقا للفصل 84 من ظ ت ع تخضع هي الأخرى لعملية استخلاص الرسوم، وذلك يتضح لنا من خلال الباب الثاني من المرسوم رقم 2.16.375 المتعلق بتعريفة وجيبات المحافظة العقارية[6] ، فالمستفيد يلزمه أداء هذه الرسوم حسب القيمة المحددة في هذا المرسوم للحق المراد إيداعه وإلا كان طلبه غير مقبولا.
- تقييد الإيداع بسجل التعرضات وتأشير المحافظ على الطلب
طبقا للفصل 84 من ظ ت ع فإن الحقوق التي يتم إيداعها عن طريق هذه المسطرة تقيد في سجل التعرضات وإن كان الإيداع لا يعتبر تعرضا، وجدير بالذكر أن هذا الإيداع لا يخضع لأي إشهار بالجريدة الرسمية وإنما يكون ذلك بتدوين كافة البيانات التي تفيد مضمون التصرف الوارد على العقار في طور التحفيظ، وكذا رقم ترتيبه الذي انتهى إليه ذلك السجل إضافة، إلى إسم الملك ورقم مطلب التحفيظ[7].
وبالإضافة الى الإيداع الذي يجري في سجل التعرضات، فإن نفس المعلومات تضمن في مطبوعين حددت الإدارة المركزية شكلهما يختلفان بحسب طبيعة التصرف، فالمطبوع الأول يشار فيه إلى كناش الإيداع، ورقمه الترتيبي بسجل التعرضات، وتاريخه، وكذا مرجع العقد، ونوعه، و تاريخه، واسم العدل، أو الموثق إن إقتضى الحال، مع ذكر رقم مطلب التحفيظ المطلوب الإيداع فيه، وموقعه، واسم طالب التحفيظ، و اسم المستفيد، أما عن المطبوع الثاني فهو نفسه الذي تحرر فيه التعرضات فيضمن بنفس المعلومات السابقة بعدها يؤشر المحافظ على المطبوعين ويوضعان بملف فرعي الذي يضمن بملف التحفيظ، ويضع له رقم ترتيبي بالمطلب، وجدير بالذكر أن المحافظ في نهاية كل يوم يقوم بحصر سجل التعرضات بوضع خط تحت آخر إيداع، أو تعرض، ثم يضع إمضاءه وختم المحافظة لكي يوضع بالغد تاريخ جديد وبعده التعرضات والايداعات التي تجري خلال اليوم[8].
كما تجدر الإشارة أنه يمكن أن تقوم منازعة في مدة أو أحقية المودع من أجل المطالبة بالتشطيب على أحد الايداعات، أو المنازعة في مدة أو أحقية المودع من الحق المدعى فيه، أو المنازعة في قرار المحافظ القاضي بالإيداع[9].
ثانيا: الشروط الشكلية والموضوعية لمسطرة الخلاصة الإصلاحية
هذه المسطرة نص عليها المشرع في الفصل 83 من ظ ت ع وهي الأخرى تهدف إلى حماية الحق الناشئ أثناء سريان مسطرة التحفيظ، ولاستعمال هذه المسطرة يستوجب توفر جملة من الشروط:
تتحدد الشروط الموضوعية لممارسة مسطرة الخلاصة الإصلاحية فيما يلي:
- أن يتعلق الأمر بانتقال بين الأحياء أو ما يعبر عنه بالتصرفات الارادية
التصرف الذي يستوجب الإيداع للحق الناشئ عنه خلال مسطرة التحفيظ هو ذلك التصرف الارادي الناتج عن إرادة الفرد، والمبرم بين اشخاص أحياء كالعقود الملزمة للجانبين (عقد البيع أو الرهن وغيرها من العقود)، أو العقود الملزمة لجانب واحد (عقد الهبة أو الوصية)[10].
- أن يكون الحق الناشئ على الالتزام أو التصرف الارادي حقا عينيا
كما هو الشأن بالنسبة لمسطرة الإيداع، فالحق موضوع النشر يجب أن يكون عينيا بمعنى أن يندرج ضمن أحد الحقوق التي عددها المشرع في المادتين 10 و 11 من م ح ع، فمتى كان الحق عينيا أمكن إشهاره طبقا لما نص عليه الفصل 65 من ظ ت ع، و اسثناءا سمح المشرع بإشهار بعض الحقوق الشخصية المحددة في عقود الاكرية التي تتجاوز مدتها ثلاث سنوات، و الحوالة، وبالتالي التصرفات التي تخرج عن نطاق الفصول 65 و 67و 68 لا يمكن أن تكون موضوع مسطرة الخلاصة الإصلاحية.
- أن لا يكون ملف التحفيظ قد تمت إحالته على القضاء
إحالة الملف على المحكمة من طرف المحافظ على الأملاك العقارية من أجل الفصل في التعرضات يمنع المفوت إليه من سلوك مسطرة الخلاصة ليبقى له فقط حق سلوك مسطرة الإيداع – الفصل 84 من ظ ت ع-، فالملف يجب أن يكون في مرحلته الإدارية حتى تبقى مسطرة الخلاصة الإصلاحية مفتوحة وقابلة للإعمال، والذي دفعنا إلى القول بهذا الطرح هو انعدام أساس قانوني يرغم المحكمة بإرجاع الملف للمحافظ العقاري، قصد نشر الحق المودع طبقا للفصل 83 بالجريدة الرسمية[11].
تتطلب مسطرة الخلاصة الإصلاحية بعض الشروط الشكلية يمكننا رصدها كالتالي:
- إيداع السندات المثبتة للحق بالمحافظة على الأملاك العقارية واستخلاص الرسوم
يتعين على المستفيد الذي نشأ له حق قابل للتقييد طبقا لمقتضيات الفصل 65 من ظ ت ع أن يتقدم للمحافظ بالحجج المثبتة للحق المكتسب مشفوعا بطلب تصحيحي لمطلب التحفيظ الأصلي الذي نشأنه، قصد توضيح الحق الذي يطالب به، حيث يرفقها بطلب تعديلي لمطلب التحفيظ الأصلي[12] للإعلان على الحقوق التي اكتسبها وحصته أو نصيبه في العقار موضوع مسطرة التحفيظ، وذلك اعتبارا لنوع العملية المطلوبة، ويتقدم المستفيد في طلبه التصحيحي بطلب نشر خلاصة إصلاحية تتبع بمقتضاها مسطرة التحفيظ باسمه وحده، أو ضمن طالبي التحفيظ إذا كان انتقال الملك جزئيان أو احلاله محلهم اذا كان انتقال الملك كليا[13].
كما يستلزم لقبول هذه المسطرة أداء الرسوم المستحقة بالمحافظة العقارية، والمحددة بمقتضى المرسوم المتعلق بتحديد تعريفة رسوم المحافظ على الأملاك العقارية في مادته الأولى.
وجدير بالذكر أنه بمجرد التأشير على الطلب من قبل المحافظ تنجز له خلاصة إصلاحية تحمل جميع البيانات المتعلقة بالملك وصاحبه، ورقم مطلب تحفيظه، وكذا رقم الجريدة الرسمية التي تم إدراجه فيها سابقا، ويتم الاشارة فيها إلى حلول المالك الجديد كلا أو بعضا محل طالب التحفيظ[14].
وهكذا يحل صاحب الحق الخاضع لمسطرة الخلاصة الإصلاحية محل طالب التحفيظ في حدود الحق الناشئ له خلال مسطرة التحفيظ، وبه يكتسب صفة طالب التحفيظ ويصبح معنيا بالمسطرة ويتم تبليغه بكل إجراء يقوم به المحافظ وبأي تعرض يوجه ضده،[15] كما أن التعرضات تنصب فقط على الحق المعلن عنه من خلال هذه المسطرة وهو ما تم التنصيص عليه في الفصل 83 من ظ ت ع.
- القيام بالتحديد التصحيحي أو التكميلي
إذا تم إيداع طلب نشر الخلاصة الإصلاحية قبل نشر اعلان عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية فإنه يتعين على المحافظ طبقا للفصل 17 من ظ ت ع بتحرير ملخص له داخل أجل عشرة أيام ويعمل على نشره بالجريدة الرسمية، و أن يعمد خلال أجل شهرين من تاريخ هذا النشر إلى وضع إعلان يضمنه بتاريخ، ووقت إجراء التحديد للعقار، هذا التحديد يصطلح عليه هنا بالتحديد التكميلي، والذي يعني حسب أحد الباحثين انتقال المهندس المساح الى عين المكان لتغيير النطاق المادي للعقار المطلوب تحفيظه، وهو إجراء إضافي تستوجبه ضرورة المسطرة، أو يطلبه المتدخل فيها، الغرض منه تصحيح و إعادة تعيين حدود الملك ودائرته، وذلك بوضع أحجار تحمل كل منها رقما معينا بالإضافة على تعيين القطع المتعرض عليها داخل الملك[16].
ثانيا: تمييز مسطرتي الإيداع والخلاصة الإصلاحية على باقي الأنظمة المشابهة لهما
تختلف مسطرة الإيداع والخلاصة الإصلاحية عن مجموعة من المساطر المنصوص عليها في ظ ت ع، نذكر منها مسطرة التعرض ومسطرة التقييد الاحتياطي.
- تمييز مسطرة الإيداع والخلاصة الإصلاحية عن مسطرة التعرض
يمكن تعريف التعرض على أنه ادعاء يتقدم به أحد من الغير ضد طالب التحفيظ ،بمقتضاه ينازع المتعرض في أصل حق ملكية طالب التحفيظ، أو في مدى هذا الحق، أو في الحدود، أو يطالب بحق عيني مترتب له على هذا العقار، وأنكره عليه طالب التحفيظ الذي لم يشر إليه في مطلبه[17]، فالمتعرض يقدم تعرضه لمنازعة طالب التحفيظ في الحقوق التي يرمي إلى تحفيظها، وذلك داخل أجل شهرين تبتدئ من تاريخ نشر إعلان عن إنتهاء عملية التحديد بالجريدة الرسمية[18]، فضلا على أن المشرع لم يحصر الأشخاص الذين لهم الحق في تقديم طلب التعرض إنما مكن كل من يدعي حقا على عقار في طور التحفيظ أن يتعرض – الفصل 24 من ظ ت ع-، في حين مسطرة الإيداع و الخلاصة الإصلاحية هما آليتان لحماية الحقوق المكتسبة على العقارات المذكورة، وأن المستفيد هو من له الحق وحده في ممارسة هاتين المسطرتين دون غيره، كما أن القانون لم يحدد أجلا معينا لمسطرة الإيداع أو الخلاصة الاصلاحية إذ يمكن ممارستهما منذ فتح مطلب التحفيظ إلى غاية تأسيس الرسم العقاري، ومن جانب آخر نجد أن مسطرة الإيداع تلتقي مع مسطرة التعرض في كونهما يردان معا في سجل التعرضات، عكس الخلاصة الإصلاحية التي لا تخضع للتقييد في السجل المذكور، كما أن كل من الإيداع والتعرض و الخلاصة الإصلاحية يردان على العقارات التي هي في طور التحفيظ فقط.
- تمييز مسطرة الإيداع والخلاصة الإصلاحية عن التقييد الاحتياطي
عرف الفقه التقييد الاحتياطي على أنه إجراء يعمد إليه صاحب الحق الذي إمتنع عليه تقييد حقه بصفة نهائية لسبب معين، وذلك قصد الاحتفاظ به مؤقتا من خلال الإشارة إليه في الرسم العقاري[19]، فالتقييد الاحتياطي يحفظ مؤقتا لصاحبه حق الأولوية في تقييد حقه إزاء كل شخص أراد تقييد حقوق أخرى لا حقة نشأت على نفس العقار، ويجدر التنبيه أن هذا النوع من التقييد يتعلق فقط بالعقارات المحفظة ولا يدخل في إطار العقارات التي توجد في طور التحفيظ[20]، وهنا يظهر الاختلاف بين مسطرة التقييد الاحتياطي ومسطرة الإيداع و الخلاصة الاصلاحية اللذان ينصبان على العقارات في طور التحفيظ فقط ، وأن الحق الذي يتم الإعلان عنه عن طريق مسطرة الإيداع يضمن في سجل التعرضات رتبة الحق إلى أن يتخذ في شأنه قرار التحفيظ طبقا لما نص عليه الفصل 84 من ظ ت ع، في المقابل نجد مسطرة الخلاصة الإصلاحية تقوم على أساس إصلاح التحفيظ عن طريق إعادة النشر بالجريدة الرسمية[21].
- تمييز مسطرة الإيداع عن الخلاصة الإصلاحية
مسطرة الإيداع هي شبيهة إلى حد كبير بمسطرة الخاصة الإصلاحية إذ من الصعب التمييز بينهما وذلك لوحدة هدفهما المشترك الرامي إلى حماية الحقوق القابلة للتقييد بالرسم العقاري، ووحدة الجهة الإدارية الساهرة على تطبيق هاتين المسطرتين والتي هي المحافظ، وكذا وحدة نوع العقار الذي تنصبان عليه وهو العقار في طور التحفيظ[22].
لكن هناك إختلافا جوهريا بين المسطرتين ، فمسطرة الخلاصة الإصلاحية حسب الفصل 83 من ظ ت ع تقبل النشر في الجريدة الرسمية و يكتسب بعدها صاحب الحق المنشأ أو المغير أو المقر به صفة طالب التحفيظ في حدود الحق المعترف له به، بل أكثر من ذلك يترتب على هذا النشر إعادة فتح آجال شهرين للتعرضات تبتدئ من تاريخ الإعلان عن الحق المنشأ، أو المغير، أو المقر به، في المقابل نجد مسطرة الإيداع خالية من أي إشهار في الجريدة الرسمية للحق المودع، وبالتالي عدم فتح أي أجل للتعرض على الحق المذكور، كما أن مسطرة التحفيظ تبقى سارية في إسم طالب التحفيظ، والحق المودع يثبت عند التحفيظ بالرسم العقاري في الرتبة التي عينت له إذا سمحت إجراءات المسطرة بذلك.
الفقرة الثانية: الآثار المترتبة على إعتماد مسطرتي الإيداع والخلاصة الإصلاحية والإشكالات المرتبطة بهما
سنتحدث في هذه الفقرة عن الآثار المترتبة مسطرتي الإيداع والخلاصة الإصلاحية (أولا)، وكذا عن الإشكالات التي تعيق كل واحدة من هاتين المسطرتين (ثانيا).
أولا: الآثار الناجمة عن سلوك مسطرة الإيداع والخلاصة الإصلاحية
- بالنسبة لمسطرة الإيداع
اللجوء لمسطرة الإيداع تترتب عنه مجموعة من الآثار على مستوى الإجراءات المسطرية، تتمثل في عدم حدوث أي تغيير على مسطرة التحفيظ حيث تبقى جارية وفق مجراها العادي دون توقف، أو تغيير في إسم المتصرف -طالب التحفيظ- إلى غاية تأسيس الرسم العقاري في إسمه، و إن كان الملك قد إنتقل كليا إلى المستفيد وتستمر إجراءات التحفيظ بشكل عادي، و يبقى طالب التحفيظ هو المسؤول أمام المحافظة وهو من يتم إستدعاءه لحضور التحديد، كما يتم استدعائه لاي إجراء إن دعت الضرورة للقيام به، وجميع الإجراءات التي تتم في مطلب التحفيظ و التي لها علاقة به تضل في اسم طالب التحفيظ، كما أنه يترتب عن الإيداع بهذه الوسيلة إكتساب المستفيد من الحق وضعا قانونيا متميزا، فلا هو بطالب التحفيظ فيمكن توجيه التصرفات ضده أو مكاتبته من طرف المحافظة، ولا هو بمتعرض حتى يخضع لمقتضيات الفصل 24 من ظ ت ع[23].
- بالنسبة لمسطرة الخلاصة الإصلاحية
تهدف الخلاصة الإصلاحية إلى قلب المسطرة لتتابع مباشرة من طرف المستفيد وفي إسمه، فمن يوم الإيداع يصبح هو المعني بالأمر وتقوم المحافظة بمراسلته لإعلامه بيوم التحديد، ويقوم المحافظ عند إجراء كل تحديد تصحيحي يرمي إلى توسيع خبر الملك بنشر إعلان عن إنتهاء التحديد بنفس الطريقة، ثم يفتح أجل جديد للتعرض وذلك في حالة ما إذا كان الاجل الأول قد إنتهى، وهذا الأجل الجديد لا يقل عن شهرين من تاريخ النشر الأخير[24].
ثانيا: الإشكالات التي تعتري مسطرتي الإيداع والخلاصة الإصلاحية
سنتعرف أولا على الإشكالات المرتبطة بمسطرة الإيداع، ثم بعدها ننتقل للحديث عن تلك المرتبطة بمسطرة الخلاصة الإصلاحية.
- الاشكالات المرتبطة بمسطرة الايداع
إذا رجعنا الى الفصل 84 من ظ ت ع نلمس فيه بعض الإشكالات من قبيل:
– إلزامية إيداع الوثائق بسجل التعرضات
المشرع في الفصل 84 من ظ ت ع نجده نص على ضرورة تقييد الحق الذي وقع الإعلان عنه عن طريق مسطرة الإيداع بسجل التعرضات، وإذا رجعنا إلى الفصل 24 من نفس الظهير كما عدل وتمم بموجب قانون 14.07 نجده حدد من بين الحالات التي يمكن للشخص أن يمارس تعرضه فيها هي حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من ظ ت ع.
فالمشرع لم يكتفي بالتنصيص على التعرض العادي و الاستثنائي بل وسع في الفصل أعلاه من نطاق التعرض ليشمل حتى التعرض على الإيداع، وفي توجه المشرع هذا نستشف مجموعة من الإشكالات من قبيل أن المشرع جعل الايداعات مضمنة بسجل التعرضات، وفتح الباب للتعرض عليها في إطار الفصل 24 مع العلم أن طبيعة المسطرة، و الانطلاق من الحقوق المودعة بواسطتها، وأيضا إيراد المشرع لها في باب التقييدات، فإن هذا كله يجعلنا ننظر إلى الحق المودع كتقييد ونكيفه تكييف التقييد، فإذا إنطلقنا من قاعدة إعتبار المآل فإن الحقوق المودعة ستكون عبارة عن تقييدات وبالتالي خضوعها لأحكام التقييدات المنصوص عليها في ظ ت ع، أما بالمقابل إذا إنطلقنا من كون محل الإيداع هو سجل التعرضات وكيفنا الإيداع على أنه تعرض خلال مرحلة التحفيظ فسيجتمع لدينا تعرضان تعرض على تعرض وهو أمر مستبعد، وهناك من الباحثين من ذهب إلى القول بأن المسطرة المتعلقة بالتعرض على الإيداع لا يمكن إعتبارها ضرورة تشريعية، ملحة مادام بإمكان المنازع في الإيداع أن يودع دعواه بوصفها دعوى عينية في المطلب طبقا للفصل 84 من ظ ت ع، وإعتبر هذا التوجه المقتضى المتعلق بالتعرض على الإيداع لا يمنع من المنازعة في دعوى الإيداع أمام القضاء فهذه المكنة تبقى مفتوحة حتى بعد حفظ رتبة الحق بعد تأسيس الرسم العقاري[25].
كما أن هذا الامر يطرح لنا إشكالية بخصوص الآجال لكون أجل التعرض حدده المشرع في شهرين تبتدئ من تاريخ نشر إعلان عن إنتهاء التحديد بالجريدة الرسمية، هذا الأجل المحدد يخص الأشخاص الذين لم يعلموا قبل هذا التاريخ بانطلاق مسطرة التحفيظ تتعلق بعقار معين، فالمشرع منح لهؤلاء أجل شهرين قصد إستدراك ما فاتهم، هذا يعني أن الحقوق المودعة في إطار الفصل 84 تكون محصنة ضد التعرض عليها إلا في حالة قبول التعرض الاستثنائي طبقا للفصل29 من ظ ت ع كما وقع تعديله وتتميمه بموجب قانون 14.07، لكن تطبيق هذه المقتضيات المتعلقة بأجل التعرض على الحقوق المعلن عنها عن طريق الفصل المذكور – الفصل 84- يتناقض مع مقتضيات هذا الفصل، ذلك أن إيداع هذه الحقوق لا يرتبط بأجل التعرض بل إنه يمكن لكل شخص يتوفر على حق من الحقوق أن يودع حقه في مطلب بالمحافظة العقارية إلى حين تحفيظ العقار وتأسيس الرسم العقاري[26].
-إشكالية الصياغة القانونية للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري
إذا رجعنا الى مقتضيات النص أعلاه نجده ينص على أنه “إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للاشهار..”، فهو ضيق مجال سلوك مسطرة الإيداع عكس الفصل 83 المتعلق بالخلاصة الإصلاحية الذي وسع من دائرة إعمال هذه المسطرة لتشمل حتى حالة تغيير الحق و الإقرار به، الى جانب حالة نشوء الحق، فاستعمال المشرع عبارة إذا “نشأ” توحي على أن مسطرة الإيداع لا يمكن سلوكها إلا في حالة نشوء الحق وهذا في الواقع يختلف مع قصد المشرع في إحلال هذه المسطرة، إذ لا شك أن هناك فرق بين مصطلحي النقل الذي يراد به تفويت الحق سواء كان بعوض أو بغيره، وبين نشوء الحق الذي يوحي الى التأسيس خصوصا و أن المشرع في نصوص أخرى جمع التعبيرات على نحو يفيد المغايرة[27] ، فالمشرع أخرج الحالات الأخرى التي يكتسب بها الحق على خلاف ما رد في الفصل 83 من ظ ت ع، هذا الامر أفرز نوع من عدم الانسجام بين الحمولة اللغوية للإنشاء وبين طبيعة الحقوق الخاضعة للإشهار و التي يتم إيداعها طبقا لهذه المسطرة، وبالتالي فالعبارة المستعملة ليست سليمة مما يتعين معه إعادة النظر فيها وتعديلها[28].
- الإشكالات المرتبطة بمسطرة الخلاصة الإصلاحية
من الإشكالات التي تصادفها هذه المسطرة نذكر:
-أجل نشر الخلاصة الإصلاحية
المشرع لم يحدد الاجل الذي يتوجب خلاله نشر الخلاصة الإصلاحية بالجريدة الرسمية، عكس خلاصة المطلب الذي حددها في 10 أيام من تاريخ إيداع الطلب لكون هذه المسطرة على المستوى العملي عرفت نوعا من التضارب بين المحافظات العقارية بالمغرب، فهناك من تعمل على إنتظار نشر إعلان عن إنتهاء التحديد بالجريدة الرسمية ليتم بعد ذلك تعليق الخلاصة الإصلاحية بمكتب القائد و المحكمة الابتدائية مع الإعلان عن إنتهاء التحديد، وبين من تعمل على تعليق الخلاصة الإصلاحية بالمصالح المذكورة بمجرد نشرها بالجريدة الرسمية، حيث إن الاجراء الأول مجانب للصواب على اعتبار أن قسم المسطرة قد يجعل النسيان يطالها مما سيؤثر سلبا على حقوق الأغيار ممن لهم مصلحة في التعرض على الحقوق الواردة على العقار أثناء مسطرة التحفيظ خاصة و أن لهم الفرصة للاطلاع على كل ما يتم تعليقه بمكتب القائد و المحكمة بالإضافة الى الجماعات الحضرية أو القروية، في حين أن الاجراء الثاني هو عين الصواب ويجب تعميمه على باقي المحافظات العقارية[29].
-تعدد الخلاصات الإصلاحية
يتم تقييد الخلاصة الإصلاحية في بطاقة المراقبة لمطلب لتحفيظ وهو ما يولد اشكالية معرفة الخلاصة الإصلاحية المعنية بالنشر، كما يضاف إليه الإشكال المتعلق بكيفية مراقبة المحافظ على الأملاك العقارية الترتيب و الأولوية في حالة الإيداع طبقا للفصل 83 من ظ ت ع ، علما أنه لا يمسك سجلا خاصا بهذا النوع من الايداعات ويرتبط هذا الاشكال بكيفية تنزيل مقتضيات الفصل المذكور، اذ يرى المتخصصون في قطاع التحفيظ أن تعدد الخلاصات الإصلاحية يمكن تجاوزه عن طريق ضبط تواريخ الطلبات و التوجه للتعليق و النشر بالجريدة الرسمية، وببطاقة المراقبة الخاصة بمطلب التحفيظ، زيادة على دور سجل العمليات السابقة للتحفيظ في ترتيب وتسلسل إجراءاته[30].
[1] نبيلة الراصفي، مسطرة الإيداع في ظهير التحفيظ العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في الدراسات القانونية و القضائية، بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مراكش، جامعة القاضي عياض مراكش، السنة الجامعية 2019-2018،ص 31.
[2] محمد حمدون، حماية الحقوق الناشئة على مطلب التحفيظ عن طريق مسطرتي الخلاصة الإصلاحية و الإيداع، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص – ماستر التوثيق و المنازعات العقارية- لكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية عين السبع، جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، السنة الجامعية 2019-2018، ص 33.
[3] نبيلة الراصفي، م س، ص 33.
[4] وداد ترابي، اشهار التصرفات الواردة على العقار في مرحلة التحفيظ، مجلة قانونك، العدد التاسع، سنة 2021، ص 226.
[5] محمد حمدون، م س، ص 36.
[6] مرسوم رقم 2.16.375 صادر في 13 من شوال الموافق ل 18 يونيو 2016 بتحديد تعريفة وجيبات المحافظة العقارية كما وقع تغييره منشور بالجريدة الرسمية عدد 6484 بتاريخ 16 شوال 1437 ( 21 يوليوز 2016)
[7] محمد الحياني، في نظام التحفيظ العقاري، الطبعة الأولى 2004، ص 146.
[8] نبيلة الراصفي، م س، ص 41.
[9] نبيلة الراصفي، نفس المرجع، ص42.
[10] محمد حمدون، م س، ص 14.
[11] يسرا المرابط، حماية حقوق الغير الواردة على عقار في طور التحفيظ، الطبعة الأولى، 2022، ص 120.
[12] مأمون الكزبري، الحقوق العينية، ص 49.
[13] هشام المراكشي، دور مسطرة إشهار العقار في طور التحفيظ و التصرفات الواردة عليه في حماية حقوق الأغيار، مجلة القانون المغربي، عدد 25، سنة 2014، ص 198.
[14] محمد حمدون ، م س، ص 21.
[15] يسرا المرابط، م س، ص 133.
[16] محمد حمدون، م س، ص 26.
[17] مأمون الكزبري، م س، ص 48.
[18] كنزة الغنام، مسطرة لتعرض في ضوء القانون العقاري و المساطر الخاصة، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مراكش، جامعة القاضي عياض بمراكش، السنة الجامعية 2015-2016، ص 16.
[19] عبد الحق الصافي، القانون العقاري، الكتاب الأول، ص 108.
[20] محمد خيري، م س، ص 505-507.
[21] سعيد وامدين، مسطرة الخلاصة الإصلاحية في ظل القانون 14.07 من ظ ت ع، مقال منشور في موقع https://alkanounia.info/، تم الاطلاع عليه بتاريخ 13.04.2024، على الساعة 11.44.
[22] نبيلة الراصفي، م س، ص 19.
[23] وداد ترابي، م س، ص 255-256.
[24] وداد ترابي، نفس المرجع، 258.
[25] عبد الحميد باعلا، إشكالات صياغة مسطرتي النشر و الإيداع، مجلة الباحث للدراسات و الأبحاث القانونية و القضائية، العدد 47، سنة 2022، ص 324.
[26] نبيلة الراصفي، م س، ص 96.
[27] راجع الفصلين 65 و 67 من ظ ت ع، و المادة 4 من م ح ع .
[28] عبد الحميد باعلا، م س، ص 312.
[29] يسرا المرابط، م س، ص 137.
[30] يسرا المرابطـ، م س، ص 138.