الإجراءات المسطرية لمسطرة الإيداع والخلاصة الإصلاحية
الإجراءات المسطرية لمسطرة الإيداع والخلاصة الإصلاحية
الاستاذ رشيد صديقي محام بهيئة المحامين بمراكش
العقار الذي لا زال خاضعا لمسطرة التحفيظ ولم يتخذ في حقه قرار تأسيس الرسم العقاري، يمكن أن يكون محلا لمجموعة من التصرفات سواء البيع أو الهبة أو الصدقة…، لكن متى قام المالك بإجراء أي تصرف قانوني على هذا العقار، استلزم عليه إشهاره عن طريق سلوك مسطرتي الإيداع، أو الخلاصة الإصلاحية حسب اختيار المستفيد من التصرف، وهما مسطرتان نظمهما المشرع في الفصلين 83 و 84 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل بالقانون 14.07 الشروط الشكلية و الموضوعية لكل من مسطرة الإيداع (أولا)، و مسطرة الخلاصة الإصلاحية ( ثانيا).
أولا: الشروط الشكلية والموضوعية لمسطرة الإيداع
هذه المسطرة تجد سندها القانوني في الفصل 84 من ظ ت ع ، وهي آلية وضعها المشرع لإشهار الحقوق العينية القابلة للإيداع، لكن سلوك هذه المسطرة يستلزم توفر مجموعة من الشروط يمكن تقسيمها كالتالي:
- الشروط الموضوعية
من خلال الفصل 84 من ظ ت ع يمكننا أن نستنتج هذه الشروط فيما يلي:
- أن يكون التصرف القانوني موضوع مسطرة الإيداع وارد على عقار في طور التحفيظ، سواء كان التصرف بعوض أو بغير عوض، وبمفهوم المخالفة فإن العقارات غير المحفظة أو المحفظة لا تخضع لمسطرة الإيداع لأن الحقوق الواردة على هذه الأخيرة لها طرق خاصة لحمايتها[1].
- أن يكون الحق موضوع مسطرة الإيداع من الحقوق القابلة للإشهار
المقصود هنا بالحقوق القابلة للإشهار تلك المنصوص عليها في الفصل 65 من ظ ت ع و التي تجد مصدرها في الاتفاقات التعاقدية، و الأفعال الرامية إلى تأسيس حق عيني من الحقوق المنصوص عليها في المادتين 9 و 10 م ح ع، وجميع الوقائع المنشئة، أو التصرفات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض، وكافة الأعمال التي تجد مصدرها في القانون، كمحضر الحجز العقاري، و الحجز التحفظي، و الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به المقررة لنشوء حق عقاري، ومحضر البيع بالمزاد العلني، ويستثنى من جميع ما ذكر واقعة الوفاة بحيث لا تخضع لزوما لمسطرة الإيداع لأن الورثة محقون في أي وقت سواء أثناء مسطرة التحفيظ أو بعد تأسيس الرسم العقاري من تسجيل اراثتهم بالمحافظة العقارية[2].
- أن تكون الحقوق والتصرفات واجبة التقييد حالة وقائمة
هذا الشرط يعني أن تكون هذه الالتزامات أو التصرفات المبرمة بشأن تلك الحقوق أو لإحداث التزامات وتصرفات تامة و صحيحة، تتوفر فيها كل مقومات وشروط العقد أو الحالة المدنية الواجبة للإيداع، وتجعل الحق نهائيا وغير إحتمالي.[3]
- الشروط الشكلية
إلى جانب الشروط الموضوعية المذكورة أعلاه هناك شروط شكلية يتيعن توفرها حتى تكون هذه المسطرة صحيحة هذه الشروط يمكننا أن نحددها من خلال ما يلي:
- إيداع السندات المثبتة للحق بالمحافظة العقارية
اشترط الفصل 84 من ظ ت ع في فقرته الأولى على الشخص الذي اكتسب حقا على عقار في طور التحفيظ، أن يقوم بإيداع الوثائق المثبتة لانتقال ذلك الحق إليه مع كل الوثائق اللازمة للتسجيل بالرسم العقاري إذا سمحت المسطرة بذلك بالمحافظة العقارية الموجود بدائرتها العقار المطلوب تحفيظه، وذلك من أجل ترتيبه بين أصحاب الحقوق عبر ضمان الرتبة في التسجيل، وكذلك لجعل حقوقه صالحة لمواجهة الغير وهذا ما يطلق عليه ” الإيداع” قصد التقييد بالرسم العقاري المزمع تأسيسه”[4].
وهذه الوثائق تقدم في شكل طلب إلى المحافظ على الأملاك العقارية حيث يقوم هذا الأخير بدراسته وتسجيل ملاحظاته، وفي حال قبوله لهذا الطلب يحدد الرسوم القانونية التي يجب على المعني بالأمر أداءها ثم يؤشر على الطلب المذكور بعبارة صالح للإيداع، كما تجدر الإشارة على أن هذا الطلب يجب أن يتضمن عدة بيانات متعلقة بالمستفيد من الحق الناشئ أثناء مسطرة التحفيظ كاسمه الكامل، وحالته المدنية، ومحل سكناه، أو موطنه المختار إن اقتضى الحال، وكذا تصريحه باختيار طريقة الإيداع عن طريق الفصل 84 من ظ ت ع[5].
واستنادا على ما نص عليه الفصل 72 من ظ ت ع فإن المحافظ ملزم بالتحقق من الوثائق المدلى بها إليه من طرف المستفيد من الحق شكلا و جوهرا، وأن يتأكد من أن التقييد موضوع الطلب لا يتعارض مع مقتضيات قانون 14.07، و أنها تجيز التقييد.
- استخلاص الرسوم الخاصة بالإيداع
كما هو الحال بالنسبة لإجراءات التحفيظ فإن عملية التقييد في الرسوم العقارية، أو الإيداع طبقا للفصل 84 من ظ ت ع تخضع هي الأخرى لعملية استخلاص الرسوم، وذلك يتضح لنا من خلال الباب الثاني من المرسوم رقم 2.16.375 المتعلق بتعريفة وجيبات المحافظة العقارية[6] ، فالمستفيد يلزمه أداء هذه الرسوم حسب القيمة المحددة في هذا المرسوم للحق المراد إيداعه وإلا كان طلبه غير مقبولا.
- تقييد الإيداع بسجل التعرضات وتأشير المحافظ على الطلب
طبقا للفصل 84 من ظ ت ع فإن الحقوق التي يتم إيداعها عن طريق هذه المسطرة تقيد في سجل التعرضات وإن كان الإيداع لا يعتبر تعرضا، وجدير بالذكر أن هذا الإيداع لا يخضع لأي إشهار بالجريدة الرسمية وإنما يكون ذلك بتدوين كافة البيانات التي تفيد مضمون التصرف الوارد على العقار في طور التحفيظ، وكذا رقم ترتيبه الذي انتهى إليه ذلك السجل إضافة، إلى إسم الملك ورقم مطلب التحفيظ[7].
وبالإضافة الى الإيداع الذي يجري في سجل التعرضات، فإن نفس المعلومات تضمن في مطبوعين حددت الإدارة المركزية شكلهما يختلفان بحسب طبيعة التصرف، فالمطبوع الأول يشار فيه إلى كناش الإيداع، ورقمه الترتيبي بسجل التعرضات، وتاريخه، وكذا مرجع العقد، ونوعه، و تاريخه، واسم العدل، أو الموثق إن إقتضى الحال، مع ذكر رقم مطلب التحفيظ المطلوب الإيداع فيه، وموقعه، واسم طالب التحفيظ، و اسم المستفيد، أما عن المطبوع الثاني فهو نفسه الذي تحرر فيه التعرضات فيضمن بنفس المعلومات السابقة بعدها يؤشر المحافظ على المطبوعين ويوضعان بملف فرعي الذي يضمن بملف التحفيظ، ويضع له رقم ترتيبي بالمطلب، وجدير بالذكر أن المحافظ في نهاية كل يوم يقوم بحصر سجل التعرضات بوضع خط تحت آخر إيداع، أو تعرض، ثم يضع إمضاءه وختم المحافظة لكي يوضع بالغد تاريخ جديد وبعده التعرضات والايداعات التي تجري خلال اليوم[8].
كما تجدر الإشارة أنه يمكن أن تقوم منازعة في مدة أو أحقية المودع من أجل المطالبة بالتشطيب على أحد الايداعات، أو المنازعة في مدة أو أحقية المودع من الحق المدعى فيه، أو المنازعة في قرار المحافظ القاضي بالإيداع[9].
ثانيا: الشروط الشكلية والموضوعية لمسطرة الخلاصة الإصلاحية
هذه المسطرة نص عليها المشرع في الفصل 83 من ظ ت ع وهي الأخرى تهدف إلى حماية الحق الناشئ أثناء سريان مسطرة التحفيظ، ولاستعمال هذه المسطرة يستوجب توفر جملة من الشروط:
- شروط موضوعية
تتحدد الشروط الموضوعية لممارسة مسطرة الخلاصة الإصلاحية فيما يلي:
- أن يتعلق الأمر بانتقال بين الأحياء أو ما يعبر عنه بالتصرفات الارادية
التصرف الذي يستوجب الإيداع للحق الناشئ عنه خلال مسطرة التحفيظ هو ذلك التصرف الارادي الناتج عن إرادة الفرد، والمبرم بين اشخاص أحياء كالعقود الملزمة للجانبين (عقد البيع أو الرهن وغيرها من العقود)، أو العقود الملزمة لجانب واحد (عقد الهبة أو الوصية)[10].
- أن يكون الحق الناشئ على الالتزام أو التصرف الارادي حقا عينيا
كما هو الشأن بالنسبة لمسطرة الإيداع، فالحق موضوع النشر يجب أن يكون عينيا بمعنى أن يندرج ضمن أحد الحقوق التي عددها المشرع في المادتين 10 و 11 من م ح ع، فمتى كان الحق عينيا أمكن إشهاره طبقا لما نص عليه الفصل 65 من ظ ت ع، و اسثناءا سمح المشرع بإشهار بعض الحقوق الشخصية المحددة في عقود الاكرية التي تتجاوز مدتها ثلاث سنوات، و الحوالة، وبالتالي التصرفات التي تخرج عن نطاق الفصول 65 و 67و 68 لا يمكن أن تكون موضوع مسطرة الخلاصة الإصلاحية.
- أن لا يكون ملف التحفيظ قد تمت إحالته على القضاء
إحالة الملف على المحكمة من طرف المحافظ على الأملاك العقارية من أجل الفصل في التعرضات يمنع المفوت إليه من سلوك مسطرة الخلاصة ليبقى له فقط حق سلوك مسطرة الإيداع – الفصل 84 من ظ ت ع-، فالملف يجب أن يكون في مرحلته الإدارية حتى تبقى مسطرة الخلاصة الإصلاحية مفتوحة وقابلة للإعمال، والذي دفعنا إلى القول بهذا الطرح هو انعدام أساس قانوني يرغم المحكمة بإرجاع الملف للمحافظ العقاري، قصد نشر الحق المودع طبقا للفصل 83 بالجريدة الرسمية[11].
- الشروط الشكلية
تتطلب مسطرة الخلاصة الإصلاحية بعض الشروط الشكلية يمكننا رصدها كالتالي:
- إيداع السندات المثبتة للحق بالمحافظة على الأملاك العقارية واستخلاص الرسوم
يتعين على المستفيد الذي نشأ له حق قابل للتقييد طبقا لمقتضيات الفصل 65 من ظ ت ع أن يتقدم للمحافظ بالحجج المثبتة للحق المكتسب مشفوعا بطلب تصحيحي لمطلب التحفيظ الأصلي الذي نشأنه، قصد توضيح الحق الذي يطالب به، حيث يرفقها بطلب تعديلي لمطلب التحفيظ الأصلي[12] للإعلان على الحقوق التي اكتسبها وحصته أو نصيبه في العقار موضوع مسطرة التحفيظ، وذلك اعتبارا لنوع العملية المطلوبة، ويتقدم المستفيد في طلبه التصحيحي بطلب نشر خلاصة إصلاحية تتبع بمقتضاها مسطرة التحفيظ باسمه وحده، أو ضمن طالبي التحفيظ إذا كان انتقال الملك جزئيان أو احلاله محلهم اذا كان انتقال الملك كليا[13].
كما يستلزم لقبول هذه المسطرة أداء الرسوم المستحقة بالمحافظة العقارية، والمحددة بمقتضى المرسوم المتعلق بتحديد تعريفة رسوم المحافظ على الأملاك العقارية في مادته الأولى.
وجدير بالذكر أنه بمجرد التأشير على الطلب من قبل المحافظ تنجز له خلاصة إصلاحية تحمل جميع البيانات المتعلقة بالملك وصاحبه، ورقم مطلب تحفيظه، وكذا رقم الجريدة الرسمية التي تم إدراجه فيها سابقا، ويتم الاشارة فيها إلى حلول المالك الجديد كلا أو بعضا محل طالب التحفيظ[14].
وهكذا يحل صاحب الحق الخاضع لمسطرة الخلاصة الإصلاحية محل طالب التحفيظ في حدود الحق الناشئ له خلال مسطرة التحفيظ، وبه يكتسب صفة طالب التحفيظ ويصبح معنيا بالمسطرة ويتم تبليغه بكل إجراء يقوم به المحافظ وبأي تعرض يوجه ضده،[15] كما أن التعرضات تنصب فقط على الحق المعلن عنه من خلال هذه المسطرة وهو ما تم التنصيص عليه في الفصل 83 من ظ ت ع.
- القيام بالتحديد التصحيحي أو التكميلي
إذا تم إيداع طلب نشر الخلاصة الإصلاحية قبل نشر اعلان عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية فإنه يتعين على المحافظ طبقا للفصل 17 من ظ ت ع بتحرير ملخص له داخل أجل عشرة أيام ويعمل على نشره بالجريدة الرسمية، و أن يعمد خلال أجل شهرين من تاريخ هذا النشر إلى وضع إعلان يضمنه بتاريخ، ووقت إجراء التحديد للعقار، هذا التحديد يصطلح عليه هنا بالتحديد التكميلي، والذي يعني حسب أحد الباحثين انتقال المهندس المساح الى عين المكان لتغيير النطاق المادي للعقار المطلوب تحفيظه، وهو إجراء إضافي تستوجبه ضرورة المسطرة، أو يطلبه المتدخل فيها، الغرض منه تصحيح و إعادة تعيين حدود الملك ودائرته، وذلك بوضع أحجار تحمل كل منها رقما معينا بالإضافة على تعيين القطع المتعرض عليها داخل الملك[16].
[1] نبيلة الراصفي، مسطرة الإيداع في ظهير التحفيظ العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في الدراسات القانونية و القضائية، بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مراكش، جامعة القاضي عياض مراكش، السنة الجامعية 2019-2018،ص 31.
[2] محمد حمدون، حماية الحقوق الناشئة على مطلب التحفيظ عن طريق مسطرتي الخلاصة الإصلاحية و الإيداع، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص – ماستر التوثيق و المنازعات العقارية- لكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية عين السبع، جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، السنة الجامعية 2019-2018، ص 33.
[3] نبيلة الراصفي، م س، ص 33.
[4] وداد ترابي، اشهار التصرفات الواردة على العقار في مرحلة التحفيظ، مجلة قانونك، العدد التاسع، سنة 2021، ص 226.
[5] محمد حمدون، م س، ص 36.
[6] مرسوم رقم 2.16.375 صادر في 13 من شوال الموافق ل 18 يونيو 2016 بتحديد تعريفة وجيبات المحافظة العقارية كما وقع تغييره منشور بالجريدة الرسمية عدد 6484 بتاريخ 16 شوال 1437 ( 21 يوليوز 2016)
[7] محمد الحياني، في نظام التحفيظ العقاري، الطبعة الأولى 2004، ص 146.
[8] نبيلة الراصفي، م س، ص 41.
[9] نبيلة الراصفي، نفس المرجع، ص42.
[10] محمد حمدون، م س، ص 14.
[11] يسرا المرابط، حماية حقوق الغير الواردة على عقار في طور التحفيظ، الطبعة الأولى، 2022، ص 120.
[12] مأمون الكزبري، الحقوق العينية، ص 49.
[13] هشام المراكشي، دور مسطرة إشهار العقار في طور التحفيظ و التصرفات الواردة عليه في حماية حقوق الأغيار، مجلة القانون المغربي، عدد 25، سنة 2014، ص 198.
[14] محمد حمدون ، م س، ص 21.
[15] يسرا المرابط، م س، ص 133.
[16] محمد حمدون، م س، ص 26.