التأصيل القانوني للإنذار العقاري في التشريع المغربي

التأصيل القانوني للإنذار العقاري في التشريع المغربي

   مما لا شك فيه أن الائتمان[1]، له دور فعال في الحياة الاقتصادية ولعالم المال والأعمال بشكل عام؛ وتعليل ما سبق أن ضعف القدرة الذاتية للفرد فرضت عليه ضرورة اللجوء إلى المؤسسات البنكية، بهدف تمويل ما يصبو إليه من مشاريع مما جعل التعامل مع البنوك أمرا ضروريا في الوقت الحاضر[2].

تبعا لذلك إن الحاجة ماسة إلى إقرار ضمانات مهمة تضمن لفئة محددة من الدائنين حق اقتضاء مالهم بطريقة سريعة وفعالة، الشيء الذي استجاب له المشرع المغربي من خلال إقراره للحقوق العينية التبعية كإحدى الضمانات العينية، وذلك بموجب المواد من 142 إلى 221 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، التي تقر تخصيص مال معين يعود لملكية المدين لتأمين حق الدائن لاستيفاء حقه.

ويعتبر الرهن الرسمي الوارد على العقار المحفظ، من أهم الضمانات العينية حيث تلجأ إليه المؤسسات المالية عند إبرامها عقد القرض باعتباره حق عيني تبعي يتقرر على ملك محفظ أو في طور التحفيظ ويخصص لضمان أداء الدين.

أولا: تعريف الإنذار العقاري

 إن مسطرة الإنذار العقاري من أهم إجراءات التنفيذ التي خولها المشرع للدائن المرتهن لاسترداد الديون المضمونة برهن رسمي.

 لقد تعددت التعاريف التي تبين المراد بهذه المؤسسة، الشيء الذي ساهم في  توضيح  المقصود بها ورفع اللبس عنها والمشرع المغربي لم يعط أي تعريف للإنذار العقاري[3].

 حيث عرفه بعض الفقه بأنه[4] “إشعار يوجهه الدائن المرتهن إلى المدين الراهن بواسطة عون التبليغ، يطالبه فيه بأداء الدين المضمون بالرهن تحث طائلة نزع ملكية العقار المرهون وبيعه بالمزاد العلني لتسديد هذا الدين وفوائده ومصاريفه”.

كما يعرفه البعض[5] كذلك بأنه “إشعار يوجهه الدائن المرتهن أو المؤسسة المالية إلى المدين بواسطة عون التبليغ، يطلب فيه استرداد الدين المضمون من المدين تحت طائلة نزع ملكية العقار المرهون بالبيع القضائي بالمزاد العلني لتسديد الدين وفوائده والضريبة على القيمة المضافة والمصاريف القضائية”.

يتبين من هذه التعاريف المشار إليها أعلاه أنها تصب في منح الإنذار العقاري مضمون واحد، مع العلم أنها أغفلت عناصر أساسية لهذا المفهوم منها مسألة الآجال الذي لم تتناوله، مع العلم أن المشرع حدده في المادة 216 من مدونة الحقوق العينية[6] في 15 يوما.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه العناصر التي أغفلت عنها التعاريف المشار إليها أعلاه تعتبر أساسية لصحة الإجراءات، وتداركا لذلك يمكن تعريف الإنذار العقاري بأنه إشعار يوجهه الدائن المرتهن إلى الطرف الملزم قانونا بذلك، من أجل الوفاء بالدين داخل أجل 15 يوما من التبليغ وإلا تمت التنفيذ على المرهون وبيعه بالمزاد العلني من أجل استخلاص الدين وفوائده.

والسؤال الذي يطرح ما هي الطبيعة القانونية للإنذار العقاري؟

ثانيا: الطبيعة القانونية للإنذار العقاري

إن المقصود من تحديد الطبيعة القانونية للإنذار العقاري، هو معرفة ما إذا كان هذا الأخير بمثابة إجراء تنفيذي، الشيء الذي يترتب عنه أثار الحجز التنفيذي أم أنه ليس إلا مقدمة من مقدمات التنفيذ، حيث يتعين القيام بإجراء أخر من أجل التنفيذ؟

 بعبارة أدق هل تبليغ الإنذار لكل من المدين الراهن أو الكفيل العيني والمحافظ على الأملاك العقارية، يمكن اعتباره إجراء أولي لمسطرة النزع الجبري للعقار أم إجراء من إجراءات التنفيذ التي تمنع المدين الراهن من أي تصرف في الملك المرهون بعد تبليغه الإنذار؟

هذه التساؤلات وأخرى أفرزت العديد من الاتجاهات الفقهية التي سعت إلى الدفاع عن هذا الطرح أو ذاك عبر الارتكاز على أسانيد معينة.

الاتجاه الأول:  يعتبر أن الإنذار العقاري بمثابة تنبيه عادي، ونجد في هذا الإطار الأستاذ “أبو عبد الله عبد الإله” الذي يرى: ” أن الإنذار العقاري مجرد تنبيه ينزع ملكية العقار المرهون، و يضيف أن إجراءات الحجز لا تباشر إلا بعد بقاء الإنذار العقاري بدون أثر وأن الطعن في مسطرة الإنذار العقاري، لا يترتب عنها وقف إجراءات بيع العقار لكونه لا يعد طعنا في إجراءات الحجز العقاري، فضلا عن ذلك فالقول بخلاف ذلك هو نكر للفصول المنظمة للحجز التنفيذي المبينة في  الفصول 459 إلى 487من قانون المسطرة المدنية” [7].

الاتجاه الثاني: يؤكد هذا التوجه الفقهي المذكور أن توجيه الإنذار العقاري بمثابة حجز عقاري.

 ونجد في هذا الاتجاه الأستاذة “حبيبة التايس” التي ترى: “أن الإنذار العقاري هو أيضا حجز عقاري و ليس إنذارا عاديا و هو يرتب الآثار التي يرتبها الحجز خصوصا غل يد المدين من التصرف في العقار و المنع من أي تقييد بشأن العقار خلال مدة سريان مسطرة النزع الإجباري للملكية و أنه يتحول إلى حجز تنفيذي متى بقي الإنذار بدون جدوى”.[8]

من خلال الاتجاهات المشار اليها أعلاه، يتضح أن الكفة الراجحة اعتبرت الإنذار العقاري بمثابة إجراء من اجراءات التنفيذ على العقار المرهون، وليس تنبيه عادي هذا من زاوية أولى أما من زاوية أخري فإن هذا الإختلاف العميق في الوقت الحاضر لم يعد له ما يبرره، بعد أن تدخل المشرع صراحة واعتبر الإنذار العقاري إجراء من اجراءات التنفيذ وهو ما كرسه التنزيل لهذا النص القانوني[9]، بالإضافة الى المادة 216 من م ح ع، التي نصت صراحة على ما يلي : “…يعتبر الإنذار المذكور بمثابة حجز عقاري وينتج نفس آثاره”.

  وفي نفس السياق نجد الفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل بالقانون     14.07[10]، الذي اعتبر الإنذار العقاري بمثابة حجز عقاري؛ مما يدل بوضوح أن المشرع المغربي خلص إلى توحيد الجانب الإجرائي لكل من الإنذار العقاري والحجز العقاري في شق واحد، الشيء الذي سينعكس إيجابا على مسطرة تحقيق الرهن الرسمي من خلال الرفع من مستوى العقارات محل التنفيذ على الائتمان العقاري.

على العموم لا يسعنا إلا نقول بأن المشرع المغربي جاء بشكل صريح من خلال الفصل 87 من ظ ت ع المعدل بالقانون 14.07، والمادة 216 م ح ع بأن الإنذار العقاري يعد بمثابة حجز عقاري وينتج نفس الآثار التي يرتبها الحجز.

فضلا عن ذلك يمكن القول بأن الإنذار العقاري، يتحول بشكل تلقائي إلى حجز تنفيذي في حالة عدم الوفاء بالدين إلى الدائن المرتهن في الأجل المحدد في الإنذار، وذلك استنادا إلى الفصل 87 من ظ ت ع المعدل بالقانون 14.07.

[1]– عرف المشرع المغربي الائتمان بقوله:

“يعتبر عملية ائتمان كل تصرف يقوم بمقتضاه شخص من الأشخاص

-بوضع أموال أو الالتزام رهن تصرف شخص آخر يكون ملزما بإرجاعها

-أو الالتزام لمصلحة شخص آخر عن طريق التوقيع في شكل ضمان احتياطي أو كفالة أو أي ضمان آخر”.

انظر المادة الثالثة من الظهير الشريف رقم 193.14.1 الصادر في فاتح ربيع الأول 1436 الموافق ل 24 ديسمبر 2014 بتنفيذ القانون رقم 12.103 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6328 بتاريخ فاتح ربيع الآخر 1436 (22 يناير 2015) ص 462 والذي حل محل القانون رقم 03.34.

[2] – الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة يوم 10أكتوبر 2019

[3] – بالرجوع الى الفصل 440من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على ما يلي:” يبلغ عون التنفيذ إلى الطرف المحكوم عليه، الحكم المكلف بتنفيذه ويعذره بأن يفي بما قضى به الحكم حالا أو بتعريفه بنواياه وذلك خلال أجل لا يتعدى عشرة أيام من تاريخ تقديم طلب التنفيذ.

إذا طلب المدين آجالا أخبر العون الرئيس الذي يأذن بأمر بحجز أموال المدين تحفظيا إذا بدا ذلك ضروريا للمحافظة على حقوق المستفيد من الحكم.

إذا رفض المدين الوفاء أو صرح بعجزه عن ذلك اتخذ عون التنفيذ الإجراءات المقررة في الباب المتعلق بطرق التنفيذ”.

-كذلك المادة215من مدونة الحقوق العينية التي تنص على ما يلي:” للدائن المرتهن الذي لم يستوف دينه في أجل استحقاقه أن يحصل على بيع الملك المرهون وفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون، وذلك بعد توجيه إنذار بواسطة المكلف بالتنفيذ للمدين الأصلي وللحائز، لأداء الدين أو التخلي عن الملك المرهون داخل خمسة عشر يوما من تاريخ التوصل به.

[4] – محمد سلام : “تحقيق الرهن الرسمي في القانون المغربي ” دراسة علمية مطبعة الاجتهادات القضائية، مطبعة النجاح، البيضاء، الطبعة الأولى،2002ص 24

[5] – حبيبة التايس : “الإشكالات العملية في موضوع الإنذار العقاري” مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات عدد 2 في ماي 2003 الصفحة 31.

-وللمزيد من التوضيح حول تعريف الإنذار العقاري يعرفه

الأستاذ سفيان أدريش بأنه: “إنذار يوجهه الدائن المرتهن إلى المدين الراهن يطالبه فيه بأداء ما بذمته، من الدين رأسمالا وفوائده والمصاريف داخل أجل محدد تحت طائلة التنفيذ المباشر على العقار ونزع ملكيته وحجزه وبيعه العلني”.

[6]– تنص المادة215من مدونة الحقوق العينية على ما يلي:” يتضمن الإنذار المشار إليه في المادة السابقة اسم المالك المقيد واسم الملك المرهون وموقعه ومساحته ومشتملاته ورقم رسمه العقاري.

يبلغ المكلف بالتنفيذ نسخة من الإنذار المذكور إلى المحافظ على الأملاك العقارية الذي يقيده بالرسم العقاري.

يعتبر الإنذار المذكور بمثابة حجز عقاري وينتج نفس آثاره.

[7]– أبو عبد الله عبد الإله : ” تعليق حول إبقاء إجراءات التنفيذ العقاري من طرف قاضي المستعجلات” مجلة المحاكم المغربية، عدد 53، يناير،1988 ص 81 وما بعدها .

[8]– حبيبة التايس :  “الإشكالات العلمية في موضوع الإنذار العقاري”، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، العدد2، السنة2003، ص31.

[9]– تنص  المادة 214من مدونة الحقوق العينية على ما يلي :”يمكن للدائن الحاصل على شهادة خاصة بتقييد الرهن لفائدته مسلمة له من طرف المحافظ على الأملاك العقارية طبقا للشروط المنصوص عليها في الفصل 58 من الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري أن يطلب بيع الملك المرهون بالمزاد العلني عند عدم الوفاء بدينه في الأجل.

تكون للشهادة الخاصة المذكورة قوة سند قابل للتنفيذ”.

[10] – ينص الفصل87من قانون14.07على ما يلي:” كل حجز أو انذار بحجز عقاري يجب أن يبلغ الى المحافظ على الأملاك العقارية الذي يقيده بالرسم العقاري. وابتداء من تاريخ هذا التقييد لا يمكن اجراء أي تقييد جديد خلال جريان مسطرة البيع الجبري للعقار المحجوز.

يشطب على الحجز والانذار بحجز المنصوص عليهما في الفقرة السابقة بناء على عقد أو أمر من قاضي المستعجلات يكون نهائيا ونافذا فور صدوره”.

التأصيل القانوني للإنذار العقاري في التشريع المغربي
Scroll to top