التعليق على قرار صادرعن محكمة النقض عدد 90
بتاريخ 23 يناير 2020.
الاستاذ رشيد صديقي محام بهيئة المحامين بمراكش
المقدمة
إن المشرع المغربي حاول المشرع المغربي حاول تأطير قطاع التعمير بمجموعة من القوانين بهدف الحد من ظاهرة التعمير العشوائي والحفاظ على تناسق المجال العمراني في المجال الحضري و القروي على حد سواء، و قد نظم المشرع التقسيم من خلال القانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية و المجموعات السكنية، و تقسيم العقارات، في الباب الرابع منه و خصص له المواد من 58 إلى 62.
ورغم تأطير المشرع لهذا القطاع إلا أنه لم يسلم كذلك من النزاعات، سواء تعلق الأمر باستصدار رخص التقسيم أو تناقض بعض الأحكام والقرارات مع مقتضيات التقسيم المنصوص عليها في قوانين التعمير.
ومن بين الأمثلة، القرار عدد 90 الصادر بتاريخ 23 يناير 2020 من محكمة النقض في الملف الإداري عدد 3144/4/1/2019 موضوع التعليق.
يعرض لنا القرار كون الشركة (ت) بصفتها المطعون ضدها تقدمت بطلب الحصول على رخصة تقسيم عقارها الواقع بمدينة كلميم دو المساحة 7 هكتارات 57 ار و33 سنتيار وفق الشكليات المتطلبة قانونا، لدى الجماعة الحضرية بكلميم بصفتها الطاعنة فرفضت هده الأخيرة ضمنيا طلبها رغم تقديمه وفق النموذج المحدد قانونا.
فرفعت الشركة (ت) دعوى أمام المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 20/10/2017 و التمست من المحكمة إلغاء القرار الضمني برفض تقسيم العقار، فقضت المحكمة الابتدائية بإلغاء القرار الضمني المطعون فيه مع ما يترتب عن ذلك قانونا، فاستأنفته الجماعة الحضرية بكلميم في شخص رئيسها أمام محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش، قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي مستندة على كون أن المادة 23 من القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية على أنه إذا التزمت الإدارة الصمت طوال ستين يوما في شأن طلب قدم إليها اعتبر سكوتها عنه ما لم ينص قانون على خلاف ذلك بمثابة رفض له، وللمعنى بالأمر حينئذ أن يطعن في ذلك أمام المحكمة الإدارية داخل أجل ستين يوما يبتدئ من انقضاء مدة الستين يوما المشار إليها آنفا.
قدمت الطاعنة (الجماعة) طلب النقض وأسسته على أساس أن المستأنف عليها لم تستصدر أي قرار إداري في مواجهتها حتى يمكن فحص مشروعيته و أن مجرد تقديم طلب لها من أجل الحصول على رخصة تقسيم العقار لا يمكن أن يشكل ترخيص بشأن قسمته أو تجزأته ما دام الترخيص المطلوب يخضع لمسطرة قانونية خاصة لم يثبت من وثائق الملف أن المطلوبة في النقض (الشركة)قد استوفتها، و دون مراعاة ما ذكر لم تجعل لما قضت به أساسا من القانون و عللت قرارها تعليلا فاسدا يوازي انعدامه .
في حين عابت الشركة (ت) القرار المطعون فيه بخرق قاعدة مسطرية أضر بحقوقها والمادة 23 من القانون 41.90 وعدم الارتكاز على أساس قانوني وانعدام التعليل، حيث تمسكت بانعدام صفة المطلوبة في الدعوى، لما لم تدلي رفقة مقالها بأي قرار إداري صادر عنها يمكن فحص مشروعيته وأن تقديم طلب الحصول على رخصة تقسيم العقار الواقع على ملكيتها، لا يشكل قرار ضمني برفض منحها الترخيص بشأن قسمته مما يشكل خرق للمادة 23 من قانون 41.90.
وهو الأمر الذي لم تستجب له محكمة النقض حيث اعتبرت أن مجرد تقديم طلب للجماعة من اجل الحصول على رخصة تقسيم العقار لا يمكن ان يشكل بأي حال ترخيصا بشأن قسمته وتجزئته، ما دام أن الترخيص المطلوب يخضع لمسطرة قانونية خاصة.
من خلال حيثيات القرار أعلاه، يتضح لنا جليا أن القرار أثار إشكالا يتمثل في:
ما مدى توافق الممارسة القضائية مع اعتبار سكوت الإدارة موافقة ضمنية لطلب الإذن بالتقسيم؟
و للإجابة على الإشكالية الواردة أعلاه ارتأينا أن نعتمد التصميم التالي:
المحور الأول: التقسيم العقاري وفقا لقانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية
المحور الثاني: رقابة قضاء الإلغاء على رخص التقسيم
المحور الأول: التقسيم العقاري وفقا للقانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية
تدخل المشرع المغربي في إطار القانون 25.90[1] المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات لوضع مجموعة من الآليات القانونية لتأطير عمليات تقسيم الأراضي تفاديا لكل تقسيم عشوائي غير متحكم فيه قد يعرقل تطبيق وثائق التخطيط العمراني، نظرا للعواقب الوخيمة التي تنتج عن تفتيت الملكية العقارية..[2]
وعليه فقد أفرد المشرع لعملية تقسيم العقارات المواد من 58 إلى 62 من القانون المشار إليه أعلاه، و من أجل الإحاطة بهذا الموضوع سوف نبحث في التقسيم العقاري من خلال بيان مفهومه و نطاقه (أولا) ثم ننتقل للحديث عن مسطرة الحصول على الإذن بالتقسيم العقاري (ثانيا).
اولا: التقسيم العقاري – المفهوم والنطاق-
لم يعرف المشرع المغربي التقسيم العقاري لا في ظهير 30 شتنبر 1953 ولا في القانون 25.90 المتعلق بقانون التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات حيت اكتفى فقط بذكر خصائصه ونطاقه.
وانطلاقا من الفصل 58 من القانون المشار إليه أعلاه، يمكن القول أن التقسيم هو كل عملية تهدف إلى تقسيم ملكية عقارية غير مبنية قسمة عينية، بهدف إحداث حصص مستقلة تتكون من بقعتين أو أكثر، قصد القضاء على الشياع، حيث لا يستطيع الشريك بعدها أن يطالب بالقسمة مجددا، ويستخلص من ذلك أن التقسيم وفقا لهذا القانون يقوم على عنصرين أساسيين، أن تفرز عملية التقسيم بقعتين أو أكثر،.وأن يتم التقسيم في أرض غير معدة لإقامة البناء عليها[3].
و كثيرا ما يقع الخلط بين التجزئة العقارية و التقسيم العقاري حيت، إن كلا من التجزئة العقارية والتقسيم العقاري يهمان السطح الحضري، وبعبارة أخرى يجري كل منهما في العقارات التي يسري فيها قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية، إلا أن التجزئة العقارية المقصود فيها إقامة المباني أيا كان الغرض منها، فيتم التقسيم فيها من أجل البناء أو يتم البيع أو الهبة أو غيرهما من طرق التفويت أو الكراء بغرض البناء، فهي تقسيم أو بيع أو هبة أو كراء للعقار بهدف إنشاء البناء، بينما التقسيم يقصد به كل قسمة أو بيع يكون الهدف منهما أن يترتب عليهما تقسيم عقار إلى بقعتين أكثر غير معدة لإقامة البناء فوقها، وكذلك بيع عقار لعدة أشخاص في الشياع بينهم إذا كان من شأن ذلك أن يحصل أحد المشترين على الأقل نصيب شائع تكون المساحة المطابقة له دون المساحة التي يجب ان لا تقل عنها مساحة البقعة الأرضية بمقتضى وثيقة من وثائق التعمير أو دون 2500 متر مربع إذا لينص على مساحة من هذا القبيل[4]..
و إذا كان المشرع قد اعتمد معيار البناء من أجل التمييز بين التجزئة و التقسيم كما جاء فيما سبق، فهناك من أقام معيار اخر للتفرقة و هو معيار الهدف و الغاية، و هكذا فإن عملية تقسيم العقارات تختلف عن عملية التجزئة العقارية من حيث الغرض المتوخى من التقسيم، فإذا كانت التجزئات العقارية تؤدي إلى تقسيم العقار بشكل منظم ومحكم بغرض تحقيق أهداف تعود بالمصلحة على الدولة بحسب نوع التجزئة، فإن تقسيم العقارات الذي يشكل في غالب الأحيان عمليات منعزلة لا تحقق إلا مصلحة محدودة لفرد أو أفراد قلائل، وفي حالات كثيرة يكون دافعها الخروج من حالة الشياع رغبة في الاستقلال بنصيب مفرزا يسمح بالتصرف فيه واستعماله بما يحقق أحسن مردودية[5].
التنظيم القانوني لمنح شهادة التقسيم يشمل نطاقين الأول ترابي والثاني موضوعي كما سيأتي بيانه:
استنادا إلى المادة 58[6] من القانون 29.50 نستشف أن النطاق الترابي للإذن بالتقسيم يتمثل في الجماعات الحضرية والمراكز المحددة والمناطق المحيطة بها والمجموعات الحضرية والمناطق ذات صبغة خاصة وكل منطقة تشملها وثيقة من وثائق التعمير موافق عليها كمخطط توجيه التهيئة العمرانية أو تصميم تنمية تجمع قروي .
وعليه، فإن عمليات القسمة والبيع الداخلة في النطاق الترابي والموضوعي المفصل فيه أعلاه تتوقف على إذن سابق يسلمه رئيس المجلس الجماعي وفق مسطرة خاصة وبعض استشارة مجموعة من الهيئات و هو ما سيتم بيانه في المطلب الموالي.
ثانيا: إجراءات إعداد ومنح الإذن بالتقسيم العقاري
أشارت المادة 58 من قانون التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، على الراغب في تقسيم ملكيته العقارية الواقعة داخل منطقة تشملها وثيقة من وثائق التعمير، موافق عليها كمخطط توجيه التهيئة العمرانية أو تصميم تنمية تجمع قروي، أن يحصل على شهادة التقسيم وهي عبارة عن وثيقة إدارية هامة في إطار تنظيم المجال العمراني تسلم لمالك عقار وبطلب منه، بموجب قرار إداري تبين فيه إمكانية تقسيم ملكية عقارية غير مبنية إلى قسمين أو عدة أقسام، وهي شهادة تخص فقط العقارات غير المبنية ولا يمكن أن تقع على العقارات المبنية .[7]
وعلى الرغم من الاختلاف الواقع بين رخص التعمير، إلا أن المشرع أخضع تحضير شهادة التقسيم وتسليمها لنفس الإجراءات والأحكام المتبعة بخصوص رخصة البناء، ورخصة إحداث لتجزئات، ورخصة إحداث المجموعات السكنية[8].
وعلى هذا الأساس، إذا كان العقار موضوع التقسيم متواجد داخل منطقة من المناطق التي يمكن إنشاء التقسيمات فيها، فإن إجراءات منح الإذن بتقسيمه يتطلب تتبع العديد من الخطوات، حيث تبتدأ بتقديم الطلب من طرف صاحب الشأن، أو المهندس، أو كل شخص يتم انتدابه لهذا الغرض، إلى رئيس مجلس الجماعة، عن طريق رسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم، ويضمن فيه رغبته في الحصول على إذن من أجل قسمة عقاره، وذلك مقابل وصل مؤرخ وموقع بصورة قانونية من لدن مودع لديه الطلب[9].
وبالنظر لما يترتب عن هذه الشهادة من آثار خطيرة، قد تلحق ضررا بالآخرين إذ قامت على نحو مخالف للقانون فيجب على المعني بالأمر، أن يدعم طلبه للحصول على شهادة التقسيم بأربع نسخ من الوثائق التي حددتها الفقرة الثانية من المادة 21 من المرسوم رقم 2.92.833 الصادر في 25 من ربيع الآخر 1414 (12 أكتوبر 1993)، لتطبيق قانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات وهي كالتالي:
- تصميم لموقع البقعة المعنية يعده مهندس قائس بمقياس 2000/1 أو 5000/1 يلحق بالشبكة الجيوديزية إن اقتضى الحال، ويتضمن وجهتها والطرق الموصلة إليها مع بيان أسمائها ومعالم تمكن من تحديد موقعها.
- شهادة من المحافظة على الأملاك العقارية تبين فيها طبيعة الملك، ومحتواه، واسم المالك، والحقوق العينية والعقارية والتكاليف العقارية التي تشمل الملك، والحصة المشاعة الراجعة لكل مالك شريك عندما يتعلق الأمر بملكية مشتركة، وترفق الشهادة بتصميم عقاري إذ كان الملك محفظا، وبنسخة مشهود بمطابقتها لرسم الملكية المتعلق بالبقعة المعنية إذ كان غير محفظ.
- تصميم عام يبرز المباني القائمة إن اقتضى الحال ذلك.
- تصميم مشروع التقسيم الصحيح بمقياس 5000/1 أو 1000/1 إذ لم يتعلق الأمر ببيع على الشيوع.
ولا يقبل أي طلب غير مشفوع بهذه الوثائق[10] .
منذ التاريخ الموجود بالوصل والموقع عليه بصورة قانونية، والذي يقدم للمعني بالأمر عند إرسال الطلب، يتم دراسة هذا الطلب، ويحال على أعضاء لجن الدراسة الدائمين الذين حددتهم المادة 23 من قانون ضابط البناء وهم ممثلين عن العمالة أو الإقليم، والجماعة الحضرية أو القروية، والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري و الخرائطية.
وبغض النظر عن خصوصية ملفات طلبات الرخص المعروضة على لجان الدراسة، يتعين لزوما الأخذ بآراء الأعضاء غير الدائمين، باعتبارهم ممثلي الإدارات المعنية بقطاع التعمير، داخل أجل ثلاثة أيام الموالية لتاريخ إيداع الملف[11] .
وحتى تتمكن هذه اللجن من رصد المعلومات الكافية حول العقار المراد تقسيمه، يمكن لرئيس الجماعة أن يستشير كل شخص يرى فائدة في الاسترشاد برأيه داخل لجان الدراسة.
وابتداءا من التاريخ المحدد سابقا، تبدأ أعمال التأكد من مدى مطابقة طلبات التقسيم لأدوات مخطط توجيه التهيئة العمرانية وتصميم التنطيق وتصميم التهيئة وقرارات التخطيط، إذ لا مانع من استحضار موقع العقار ومساحته ومشتملاته، والتأكد من الترابط القائم بين مكوناته في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتجارية والبيئية.
وعلى اللجان المذكورة أن تبت في هذا الطلب خلال أجل خمسة عشر يوما إبتداءا من تاريخ إيداعه[12].
وبانتهاء مرحلة الدراسة من طرف اللجنة المختصة، تبدأ مرحلة أخرى من مراحل الإعداد للحصول على شهادة التقسيم، وهي تحرير المحضر من طرف اللجنة المختصة، الذي يتوقف الأذن بالتقسيم على تحريره، وهو عبارة عن وثيقة تتضمن الآراء الفردية لأعضاء اللجن المختصة[13] .
ونشير هنا إلى أن المشرع قد حدد بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 59 من قانون التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، أجل البت في طلبات القسمة من طرف رئيس الجماعة الحضرية أو القروية في شهرين تبتدئ من تاريخ إيداع الطلب بمكتب ضبط الجماعة أو الشباك الوحيد، وإذا لم يبيت رئيس الجماعة في الطلب داخل هذا الأجل، فإن ذلك يعد قبولا ضمنيا بمنح رخصة التقسيم[14].
المحور الثاني: رقابة قضاء الالغاء على رخص التقسيم
لم يجعل المشرع القرارات الصادرة عن رئيس مجلس الجماعة الحضرية أو القروية نهائية، وإنما مكن كل شخص صدر في مواجهته قرارا بخصوص عملية التقسيم ولم يلق قبوله الطعن فيه وفق الشروط، و الإجراءات المنصوص عليها في قانون 41.90 المتعلق بالمحاكم الإدارية، وذلك للحد من مختلف أشكال التعسف التي يمكن أن تصدر عنهم باعتبار أن الإدارة هي الطرف الأقوى في العلاقة، وبالتالي صاحب الشأن هو أجدر بالحماية القضائية وكذا القانونية
اولا: الطعن في قرارات رفض الإذن بالتقسيم
بعد تقديم طلب الإذن بالتقسيم من طرف المعني بالأمر، يتعين عليه أن ينتظر قرار رئيس مجلس الجماعة الحضرية أو القروية بصفته الجهة المختصة في تسليم الأذون، دون أن يعمد إلى التقسيم مباشرة بعد إيداع الطلب المذكور. إلا أن هذا الطلب قد لا يستجاب له أحيانا إما صراحة أو ضمنا، الأمر الذي من شأنه أن يولد نزاعا بين الفرد -طالب الإذن- والإدارة. وحتى يحتفظ هذا الأخير بحقه في التقسيم يمكنه اللجوء إلى طريق الطعن القضائي بعرض النزاع على المحكمة.
يعد طلب الإلغاء دعوى يرفعها أحد الأطراف إلى القضاء الإداري من أجل إعدام قرار إداري مخالف للقانون، وتعد من أهم الدعاوى القضائية وأكثرها قيمة من الناحية النظرية والعملية، كما تمثل ضمانة لحماية حقوق الأفراد وتمنع خروج الإدارة عن أحكام القانون.[15]
والطعن بالإلغاء له آجال معينة، يترتب عن عدم ممارستها سقوط الحق في المطالبة بإلغاء المقرر المراد إلغاءه، اذ أنه بمقتضى المادة 23 من نفس القانون ينبغي تقديم طلبات إلغاء القرارات الإدارية بسبب تجاوز السلطة داخل أجل ستين يوما، يبتدئ من تاريخ نشر أو تبليغ المقرر المطلوب إلغاءه إلى المعني بالأمر، ويجوز للمعنيين بالأمر أن يقدموا قبل انصرام الأجل الورد أعلاه تظلما من القرار إلى مصدره، و إلى رئيسه ، وفي هذه الصورة يمكن رفع طلب الإلغاء إلى المحكمة الإدارية داخل أجل الستين يوما تبتدئ من تبليغ القرار الصادر برفض التظلم الإداري كليا أو جزئيا، و إذا التزمت السلطة الإدارية المرفوع إليها التظلم الصمت بشأن التظلم طوال مدة 60 يوما، اعتبر سكوتها بمثابة رفض له، و حينئذ يمكن للمتضرر أن يطعن بالإلغاء داخل أجل ستين يوما تبتدئ من انقضاء مدة الشهرين الأولى.[16]
إلا أنه في الواقع العملي نجد أن إمساك الإدارة عن الجواب داخل أجل شهرين يفسر من طرف المواطن على أنه رفض ضمني منها، مما قد يدفع المعني بالأمر إلى اللجوء الى القضاء من أجل رفع دعوى على الإدارة بسبب تجاوز السلطة، حتى المحامي الذي تقدم بواسطته الدعوى غالبا لا يقوم بإبداء النصح، والتوجيه القانوني لموكله بخصوص هذا الأمر، وذلك رغبة فقط في جني أرباحا لفائدته من الدعوى التي وكل من أجلها.
وفي هذا الصدد صدر قرار عن محكمة النقض[17] – موضوع التعليق- اعتبر أن تقديم طلب رخصة التقسيم إلى الجماعة لا يشكل بحد ذاته ترخيصا لكون الترخيص يخضع لمسطرة قانونية خاصة لا بد لطالبه أن يستوفيها وذلك حتى يكون طلبه مقبولا، أما إذا تبين من وثائق الطلب أنه مكتمل الشروط المنصوص عليها قانونا، يحق للمعني بالأمر حينئذ تقديم دعوى في الموضوع ولا مانع له في ذلك.
ثانيا: أسباب تعارض أحكام قضاء الإلغاء مع قوانين التعمير
عند البت في النزاعات المتعلقة بالتعمير، هناك مجموعة من المعيقات التي يواجهها القاضي و التي ترجع أساسا إلى ما يلي :
حداثة قوانين التعمير، حيت ساهمت في عدم تمكين القضاة من الاطلاع على مختلف مقتضياتها واستيعاب أهدافها، وخصوصا أن قانون التعمير لم يدرس بالمعهد العالي للدراسات القضائية إلا سنة 1991 ولم تخصص له حصص كافية تمكن القاضي من الإلمام بجميع جوانبه، وبالتالي التحسيس بأهمية الزجر على يده المخالفين له[18] .
أيضا عدم إلمام قضاة المحاكم الإدارية بقوانين التعمير:
وعلى هذا الأساس فالمحاكم الإدارية لا يمكن أن تؤدي دورها أحسن أداء في سبيل الحفاظ على حقوق الأفراد وحرياتهم في مجال التعمير بصفة خاصة، إلا بإلمام القاضي بجميع مشاكل هذا القطاع وهذا يقتضي تكوين القضاة تكوينا عاليا، وذلك في انتظار أن يعمل المشرع على إصدار قانون موحد يجمع شتات النصوص المتعلقة بميدان التعمير، بشكل يخدم المواطنين والمنعشين العقاريين وسيسهل على القضاة الذين سيركزون الجهود التي كانت تذهب سدى، في البحث عن القانون الواجب التطبيق، و في إيجاد تفسير سليم للنصوص القانونية، بما يتلاءم مع مقاربة تنمية هذا البلد وتوفير شروط تقدمه.
كما ينبغي الزيادة في المدة الزمنية المخصصة لتدريس مادة التعمير، هي وتطوير دراسة القانون والقضاء الإداريين، والمؤسسات المكلفة بتكوين الأطر الإدارية التي ستكون تصرفاتها الإدارية خاضعة لمراقبة القاضي الإداري[19] .
[1]القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، الجريدة الرسمية عدد 4159 بتاريخ 14 محرم 1413 (15 يوليو 1992)، ص 880.
[2]مصطفى جرموني: “التدبير العمراني بالمغرب”، مطبعة الأمنية الرباط، سنة 2021، ص 110.
[3]أتغلياست عبد الله، التقسيم العقاري وفقا لقوانين التعمير، مجلة المحامي، عدد 74، يناير 2020،صفحة 197.
[4]محمد بن يعيش، التجزئة العقارية و التقسيم العقاري: أية شروط؟، منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلسلة الندوات و الأيام الدراسية,الجزء الأول، العدد 58، الطبعة الأولى، سنة 2019، صفحة 317.
[5]أحمد المالكي، السياسة التشريعية لتقسيم العقارات في ضوء قوانين التعمير، نحو تشريع عقاري جديد، أشغال الندوة العلمية الوطنية التي نظمه امختبر الدراسات القانونية المدنية والعقارية يومي 29 و30 أبريل 2011 سلسلة الندوات والأيام الدراسية، العدد 38، 2011، المكتبة الوراقة الوطنية، مراكش، ص 178.
[6]أنظر المادة 58 من القانون 25.90 السالف الذكر.
[7]صلاح الدين ضضوش، التقسيم العقاري وفقا لقوانين التعمير، مجلة المحامي، العدد 74، يناير 2020، ص204.
[8]إدريس الفاخوري، العقار والتعمير والإستثمار، الطبعة الأولى 2017، ص 238.
[9]عمر أزوكار، التقسيم العقاري وفقا لقانون التجزئات العقارية، سلسلة الإجتهاد القضائي، العدد السادس، أبريل 2017، ص24.
[10]إدرسي الفاخوري، مرجع سابق، ص 244.
[11]المسعيد عبد المولى، التقسيم العقاري، مسارات في الأبحاث والدراسات القانونية، العدد1، الطبعة الأولى 2016، ص 27.
[12]عمر أزوكار مرجع سابق، ص 29.
[13]صلاح الدين ضضوش، مرجع سابق، ص 221.
[14]مصطفى بلكوزي، المجال العمراني بالمغرب، الطبعة الأولى 2022، ص 111.
[15]غيثةدكراوي، رخص البناء والتجزيء بين دعوى الإلغاء والدعوى الزجرية، الطبعة الأولى، ص 15-16.
[16]الحسن أولياس، مناط دعوى الإلغاء، مجلة العلوم القانونية، عدد مزدوج 4-3، ص 319.
[17]قرار عدد 90، صادر بتاريخ 23 يناير 2020، في الملف الإداري عدد 3144-4-1-2019.
[18]سعاد الافلج: التطبيقات القضائية في مجال الاسكان: واقع وآفاق، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الخامس أكدال – الرباط، السنة الجامعية 2004/2003، صفحة 166.
[19]الحاج شكرة، آفاق قضاء الإلغاء في مجال التعمير، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، العدد 47، سنة 2004، دار النشر المغربية، صفحة 250.