الإشهار في مسطرة التحفيظ العقاري في ضوء التشريع المغربي
.الاستاذ رشيد صديقي محام بهيئة المحامين بمراكش
الأصل أن التحفيظ العقاري عمل اختياري يمر عبر مراحل مسطرية جد دقيقة تعتمد في أساسها على إجراءات عادية أهمها الإشهار الواسع، تتميز هذه الأخيرة بنوع من البطء في تطبيقها قصد إنشاء رسم للملكية يتم تسجيله في السجل العقاري ، و تتضمن مرحلة الإشهار مجموعة من الوسائل القانونية خلال مرحلة التحفيظ (الفقرة الأولى) و ذلك لما للإشهار من دور فعال في حماية الحقوق و هو ما سنتطرق له في (الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى : الوسائل القانونية للإشهار خلال مرحلة التحفيظ
تطبيقا لمبدأ العلنية في ميدان الإشهار العقاري، أقر المشرع في ظهير 9رمضان 1331، عمليات إشهار واسعة لجميع عمليات التحفيظ بدء من مطلب التحفيظ حتى تأسيس الرسم العقاري وتتجلى هذه العمليات في الوسائل التالية:
النشر بالجريدة الرسمية
يقصد بالجريدة الرسمية تلك الجريدة المعدة لنشر الظهائر ومراسيم القوانين الصادرة عن الحكومة تنشر ضمن النشرة العامة التي تصدر مرتين في الأسبوع ، وهناك نشرة للإعلانات القانونية هي التي تتضمن إعلانات التحفيظ والتحديد إضافة إلى إعلانات أخرى.
بعد تقديم مطلب التحفيظ، يقوم المحافظ العقاري بتلخيص لمشتملات هذا المطلب وإعلانا يبين فيه اليوم والساعة الذين سيتم فيهما إجراء عملية التحديد المؤقت للعقار طبقا لما نص عليه الفصل 17 من ظهير التحفيظ العقاري وذلك داخل أجل 10 أيام تبتدئ من تاريخ التوصل بالطلب.[1]
إلا أن هذا الأجل لا يحترم في غالب الأحيان، وذلك بسبب تراكم الطلبات وقلة الوسائل والأطر وانعدام التخطيط، إضافة إلى الدورة الإدارية التي تستغرق شهورا عديدة لاجتياز خلاصات مطالب التحفيظ، حيث يقوم المحافظ بإرسالها إلى المحافظة العامة للملكية العقارية والأشغال الهندسية بالرباط التي تجمع كل الخلاصات الواردة عليها من مختلف المحافظات قصد بعثها إلى إدارة الجريدة الرسمية حيث تقوم هذه الأخيرة بنشرها تبعا لتسلسل الطلبات الأمر الذي ينجم عنه تأخير في النشر والإعلان و التحديد، هذا التأخير قد يترتب عنه إنقضاء أجال التعرض[2].
وأحيانا أخرى قد لا يقع هذا الوصول بالمرة مما يخلق وضعيات حرجة ويؤدي إلى فقدان الثقة لا فقط في النشر بالجريدة الرسمية ولكن في نظام التحفيظ العقاري ككل .
وبهذا الصدد ولتفادي هذه المشاكل تم اقتراح ضرورة العودة إلى نماذج الإعلانات كما كانت عليه من قبل وإستكمال كل المعلومات والمعطيات المتعلقة بالعقارات المطلوب تحفيظها وضرورة نشر تلك الإعلانات بالجريدة الرسمية على الأقل داخل الأسبوعين المواليين لتوصل المطبعة الرسمية بها، والعمل على تأمين وصول أعداد الجريدة الرسمية إلى المحافظين وداخل أجال معقولة حتى يستطيعوا إعداد برامج التحديد كما توخته المقتضيات المتكاملة للفصلين 17 من ظهير التحفيظ والفصل 3 من ظهير فاتح يونيو 1915 بشأن المقتضيات الانتقالية وكذا إحترام اجال التعرض التي يكون نقطة إنطلاقها تاريخ نشر الإعلان بانتهاء التحديد بالجريدة الرسمية.[3]
تعليق الإعلانات
بالإضافة إلى النشر الذي يتم في الجريدة الرسمية فإن المحافظ يسعى إلى بعث النسخ الكافية من ملخص مطلب التحفيظ قصد تعليقه وإعلانه إلى الجهات التالية قبل التاريخ المعين للتحديد بعشرين يوما :
– رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع بدائرتها العقار.
– ممثل السلطة المحلية ورئيس المجلس الجماعي اللذين يقع العقار في دائرة نفوذهما.
ويقوم كل واحد من هؤلاء تحت مسؤوليته بتعليق الملخصات كل فيما يخصه في أماكن معدة للتعليق حتى يتمكن الجمهور من الاطلاع عليها وتبقى كذلك حتى اليوم المعين للتحديد وبعد ذلك يبعث كل منهم شهادة تثبت إنجاز الإجراءات الخاصة بتعليق ونشر الإعلانات المذكورة[4] ، لكن هذا التعليق سواء بالمحكمة أو بالقيادة تبقى نتائجه جد محدودة بل ليست لها أية قيمة في إخبار الناس بوجود مطلب التحفي، نظرا لبعد المسافة بين مقر المحكمة ومحل سكنى طالب التحفيظ بحكم اتساع دائرة المحكمة الابتدائية التي يقع فيها العقار المطلوب تحفيظه يجعل الناس لا يتحملون مشقة السفر إلى مقر المحكمة من أجل الاطلاع على الإعلانات المنشورة بلوحة المحكمة، وحتى إذا وجدوا داخل المحكمة فإنهم لا يطلعون على لوحة الإعلانات إما لعدم الاهتمام أو لجهل القراءة [5]، وكيفما كان الحال فإن التعليق يكون بصورة اعتباطية وغير منظمة حتى إننا في كثير من الحالات لا نستطيع أن نميز بين الإعلانات المتعلقة بالتحفيظ والإعلانات القضائية أو الإدارية الأخرى.[6]
أما التعليق الذي يتم في مكتب القائد فهو يحقق نتائج إيجابية نسبيا في إخبار عموم الناس، وذلك لأن هذه العملية ترجع إلى كون ملخصات التحفيظ يتم تعليقها في أكثر من جهة حيث يمكن تعليقها في الأسواق التابعة لنفس القيادة وتعتبر الأسواق تجمعا أسبوعيا مهما يتم فيه تبادل الآراء حول قضايا القبيلة إلا أن التعليق بالأسواق لا يتم في أكثر الحالات وذلك راجع إلى قلة النسخ المتوصل بها من المحافظة ولانعدام أماكن التعليق أو نتيجة إهمال المعنيين، وقد كانت القيادات في السابق تعتمد وسيلة تقليدية لكنها فعالة وهي “التبريح” وكان من الأجدر الاحتفاظ بهذه الطريقة خاصة بالبوادي نظرا لانتشار الأمية ولجهل الناس لمعنى التحفيظ.
هذه التقنية أهميتها تتجلى أيضا في كونها تتم باللغة العامية المفهومة لدى الناس لا تحتاج لمعرفة القراءة[7].
الاستدعاء لحضور التحديد المؤقت
إذا كانت الطرق السابقة من النشر بالجريدة الرسمية والتعليق لدى السلطات القضائية والإدارية لا تعطى إلا نتائج نسبية لعملية الإشهار، فإن طريقة الاستدعاء الشخصي تبقى هي الوسيلة الفعالة والمهمة في هذا النطاق بواسطتها يتم إبلاغ كل من يعنيه أمر هذا التحفيظ ولم يصل إليه خبره رغم التعليق والنشر لدى الجهات المختلفة .
وقد تم التنصيص على هذا الإجراء في الفصل 19 من ظهير التحفيظ العقاري ويستدعى المحافظ شخصيا لهذه العملية على الشكل المقرر للاستدعاءات في الظهير الصادر بشأن المسطرة المدنية كل من :
1- طالب التحفيظ.
-2 المالك غير الطالب للتحفيظ .
-3- أصحاب الأملاك المجاورة المبينين بطلب التحفيظ.
-4- المتعرضين الذين يعلنون عن أنفسهم بكيفية منتظمة.
وتتضمن هذه الاستدعاءات الدعوة إلى الحضور شخصيا أو بواسطة نائب بوكالة صحيحة وذلك للمشاركة في عملية التحفيظ.
يتم الاستدعاء إما بواسطة عون المحافظة العقارية أو البريد المضمون أو عن طريق السلطة المحلية ويمكن اللجوء إلى التبليغ بواسطة المفوضين القضائيين، وتجدر الإشارة إلى أن التعداد الوارد في الفصل 19 المذكور ليس على سبيل الحصر حيث يمكن للمحافظ أن يستدعي كل من يرى فائدة في حضوره ولو على سبيل الاستعلام وكثيرا ما نلاحظ أثناء التحديد حضور عدد من الأشخاص دون أن يتم استدعاؤهم حيث يمكن أن يستمع المحافظ أو من ينوب عنه إلى إفادتهم وملاحظاتهم[8] .
ويمكن للمحافظ العقاري أن يوجه الدعوة لحضور التحديد المؤقت لكل المصالح العمومية التي لها علاقة بالعقار المطلوب تحفيظه كما يجوز له إخبار السلطات المحلية بيوم إجراء التحديد المؤقت للحفاظ على الأمن والنظام[9].
ورغم كون الاستدعاء الشخصي يعد أهم إجراء من إجراءات الإشهار لأنه يضفي على شهر مطلب التحفيظ نوعا من التخصيص والتعيين [10]، فإنه يلاحظ في بعض الحالات أن الجوار المصرح بهم في مطلب التحفيظ ليسوا هم جوار الملك الحقيقيين والفعليين، وقد تصل الاستدعاءات متأخرة جدا بل وبعد فوات التاريخ المحدد للتحديد في بعض الحالات وقد لا تصل بالمرة لأسباب متعددة كتغيير العناوين وعدم التصريح بذلك أو كالتصريح بعناوين وهمية لبعض الجيران في حالة سوء نية بعض طلاب التحفيظ حتى لا تتاح لهم الفرصة لحضور التحديد[11].
الفقرة الثانية: دور الإشهار كمدخل للأمن العقاري
يكتسي الإشهار العقاري أهمية بالغة باعتباره من أقوى الطرق التي سعى من خلالها المشرع نحو تطهير الوضعية العقارية بصفة نهائية وصولاً إلى صيانة الحقوق و الحفاظ عليها، الأمر الذي يطرح تساؤلاً للمناقشة حول ما هو الدور الذي تلعبه عملية الإشهار في مسطرة التحفيظ العقاري، هل من شأنها أن تمنح من جهة أرضية قانونية هندسية صلبة، أومن جهة أخرى تساهم في استقرار المعاملات العقارية.
فبخصوص الجهة الأولى، أي إعطاء أرضية قانونية هندسية صلبة، فإن كان النظام القديم يتسم بعدم الاستقرار والغموض الناتج عن عدم دقة العقود والرسوم العدلية المنشئة لحق الملكية أو الناقلة لها باعتبار هذا راجع لإشكاليات كانت تخص أساساً بعدم الإشارة للحالة المدنية لمالكي الحقوق العينية، الأمر الذي يطبع الغموض في أنه لا محالة بعدم التعرف على المالك الحقيقي للعقار و لا يؤمن التحديد الواضح لموقع العقارات وحدودها ومساحتها والتغييرات المادية التي كانت تطرأ عليها [12].
فإن المشرع تدخل لزاماً نحو تجاوز الوضعية الصعبة التي عمت هذه العملية، من خلال إحداث نظام التحفيظ العقاري وجعله منطوي على فكرة الإشهار العقاري بالسعي من خلالها بتشخيص العقارات على وحدة هندسية وقانونية يمنح بواسطتها أرضية قانونية صلبة من شأنها تسهل وسائل التعرف على العقارات و تحديدها والاطلاع على كل الحقوق العينية المنشئة عليها بوضع رسوما تحت تصرف الملاكين تحمل في حد ذاتها دليلا كافيا لحق الملكية[13].
أما من الجهة الثانية، بخصوص ضمان إستقرار المعاملات العقارية، فيتوضح أن لتحقيق هذه الغاية عمل المشرع بإعطاء الملكية العقارية وضعاً قارًا ذلك من خلال إشهار جميع المعاملات العقارية وإعلانها عن طريق تقييدها في السجل العقاري وفق ما نصت الفصول 65 و 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري، هذا ما نستشفه في ما توجه إليه المجلس الأعلى إلى “أنه يجب أن تشهر بواسطة تسجيل في السجل العقاري جميع الاتفاقات والأعمال متى كان موضوعها تأسيس حق عقاري أو نقله إلى الغير أو قراراه أو تغييره وأنه لا ينتج عنها أي أثر ولو بين الأطراف إلا من تاريخ التسجيل” [14]، وهكذا يكون قد سعى نظام الإشهار العقاري من خلال إلزام إشهار التصرفات العقارية بتسجيلها على نحو يجعل المركز القانوني للعقار واضحا ومعلوما و كذا توفير وضع قار للملكية العقارية و بعث الثقة بين المتعاملين من جهة و خلق الطمأنينة بالتعاملات العقارية من جهة أخرى[15].
[1] ينص الفصل 17 من ظهير التحفيظ العقاري :”يقوم المحافظ داخل أجل عشرة أيام من تقديم طلب التحفيظ إلى المحافظة بتحرير ملخص لهذا الطلب و إعلان يبين فيه اليوم و الساعة اللذين يتعين أن يجري فيهما التحديد المؤقت… “.
[2] محمد ابن الحاج السلمي، سياسة التحفيظ العقاري في المغرب بين الإشهار العقاري و التخطيط الإقتصادي و الإجتماعي ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المدرسة الوطنية للإدارة العمومية، سنة 1977 1978، ص 63 .
[3] [3] محمد بن الحاج السلمي، التقييد الإحتياطي في التشريع العقاري، مطبعة دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، 2002، ص 74.
[4] محمد خيري ، قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي ، الطبعة الخامسة ، مطبعة المعارف الجديدة الرباط ، سنة 2014 ، ص 158 .
[5] فاطمة الحروف ، حجية القيد في السجل العقاري، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص كلية الحقوق ، جامعة محمد الخامس الرباط ، سنة 1994 1993، ص 63.
[6] محمد ابن الحاج السلمي، م س ، ص 75 .
[7]محمد ابن الحاج السلمي، م س ، ص 77.
[8] محمد خيري ، قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي ، م س، ص 160 .
[9] فاطمة الحروف ، م س ، ص 65 .
[10] محمد خيري، الملكية و نظام التحفيظ العقاري في المغرب ، الطبعة الثالثة، مطبعة المعارف الجديدة الرباط ، سنة 1997 ، ص 148.
[11] محمد ابن الحاج السلمي ، م س، ص 76.
[12] منتصر الداودي: أشغال ندوة النظام العقاري الإنعاش العقاري و التعمير، المجلة المغربية القانون و اقتصاد التنمية،العدد 12، سنة 1986 ص 20.
[13] محمد بن الحاج السلمي، التقييد الإحتياطي في التشريع العقاري، مطبعة دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، 2002، ص 15.
[14] قرار المجلس الأعلى عدد 301 صادر بتاريخ 1966/4/13 منشور بمجلة ” مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري على ضوء قرارا المجلس الأعلى”, ص 92.
[15] ذ. السعدية الحمدو: التحفيظ العقاري والاستثمار وتطور المساطر”، مجلة العقار والاستثمار الطبعة الأولى المطبعة والوراقة الوطنية مراكش من 133.