الحقوق الشخصية القابلة للتقييد بالرسم العقاري

 

        الحقوق الشخصية القابلة للتقييد بالرسم العقاري

                                     الاستاذ رشيد صديقي محام بهيئة المحامين بمراكش

 إن المشرع سمح بتقييد بعض الحقوق الشخصية إستثناء الى جانب الحقوق العينية، حيث أعطاها حكم هذه الأخيرة في التقييد نظرا لأهميتها وذلك بمقتضى الفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري المغير والمتمم بقانون رقم 14.07، وإنطلاقا من هذا الفصل يمكن حصر الحقوق الشخصية الواجب تقييدها في الرسم العقاري في عقود أكرية العقارات التي تفوق مدتها ثلاث سنوات (أولا)، الإبراء أو الحوالة لقدر مالي يوازي كراء سنة غير مستحقة الأداء (ثانيا).

أولا:عقود الكراء التي تزيد مدتها عن ثلاث سنوات

بالرجوع إلى نص الفصل 65 من ظ ت ع المغير والمتمم بالقانون رقم 14.07 يتضح أن تقييد الكراء بالرسم العقاري لا ينصب سوى على عقود الأكرية الواردة على العقارات المحفظة والتي تتجاوز مدتها ثلاث سنوات، على إعتبار أن هذا الفصل يدخل ضمن أحكام القسم الثاني من الظهير المذكور والمعنون بإشهار الحقوق العينية العقارية المترتبة على العقارات المحفظة وتقييدها في الرسم العقاري .

وهذا ما أكده القضاء المغربي، إذ جاء في قرار لمحكمة الإستئناف بالقنيطرة: “لا يتأتى تسجيل عقد كراء بالرسم العقاري إلا إذا ما كانت مدته تفوق ثلاث سنوات …”[1].

ومثل هذه العقود تنتج آثارها فيما بين المتعاقدين منذ إبرام العقد، أما بالنسبة للغير فإن أثرها لا يسري إتجاههم إلا من تاريخ التقييد، بحيث متى قام المكتري بتقييد عقد كرائه ترتب على هذا التقييد الإحتجاج به على الغير سواء كان هذا الغير مشتريا أم دائنا مرتهنا، وتكون الأولوية بحسب تاريخ التقييد، فإذا سجل المستأجر عقد إيجارة قبل تقييد المشتري إحتج بحقه على المشتري ولا يهم إذا كان للبيع تاريخ سابق على تاريخ الإيجار، لأن العبرة تكون بتاريخ تقييد الحق لا من تاريخ العقد، هذا المقتضى تم تدعيمه بمقتضى الفصل 68 من ظ ت ع المغير والمتمم بالقانون رقم 14.07 الذي جاء فيه ” إن عقود الأكرية التي لم يقع إشهاره للعموم بتقييدها في الرسم العقاري طبقا للفصل 65 من هذا القانون لا يجوز التمسك بها في مواجهة الغير لكل مدة تتجاوز ثلاث سنوات تحتسب من اليوم الذي تنتج فيه العقود المشار إليها في الفصل 67 أثرها[2] .

والمقصود بالغير طبقا لهذا الفصل هو كل شخص إكتسب حقا عينيا على العقار المكرى وقام بتقييد الحق قبل تقييد عقد الكراء.

وهو نفس التوجه الذي ذهب إليه المجلس الأعلى سابقا ( محكمة النقض حاليا) في إحدى قراراته التي إعتبرت فيه أن ” الغير ليس هو الذي لا تربطه بالمتعاقدين قرابة وإنما هو الشخص الذي إكتسب حقا عينيا على العقار المكرى وقام بتسجيل هذا الحق قبل تسجيل عقد الكراء[3] …”.

 وقد راعى المشرع في هذا الحكم كون الإيجار لمدة طويلة يؤثر في قيمة العقار نزولا، لهذا يجب  إعلام الغير به عن طريق التقييد في الرسم العقاري حتى يكون على بينة من أمره ، عندما يقدم على التعامل على مثل هذا العقار.

ثانيا:الابراء أو الحوالة لقدر مالي يوازي كراء سنة غير مستحقة الأداء

يعد الإبراء سببا من أسباب إنقضاء الإلتزام طبق لمقتضيات الفصل 340 من ظهير الإلتزامات والعقود الذي ينص على أنه “ينقضي الإلتزام بالإبراء الإختياري، الحاصل من الدائن بإختياره ودون مقابل عن الإلتزام المترتب له في ذمة الدين.

وبالرجوع للفصل 65 أعلاه من ظ ت ع كما عدل وتمم بالقانون رقم 14.07 نجد أن المشرع إستوجب تقييد الإبراء في الرسم العقاري، في هذا الصدد فقد تكامل الفصل 65 المذكور مع الفصل 665 من ظهير الإلتزامات والعقود الذي ينص على أن: “كل حجة تتضمن إبراء أو توصيلا بكراء لم يستحق بعد لمدة تتجاوز سنة لا يحتج بها في مواجهة الغير إلا إذا كانت ثابتة التاريخ.

 إلا أنه ووفق منطوق الفصل 65 فالإبراء الذي يتعين أن يخضع للتقييد بالرسم العقاري، هو الذي يكون موضوعه مبلغا ماليا يساوي كراء عقار لمدة تزيد عن السنة .

 ويترتب عن تقييده بالرسم العقاري جواز الإحتجاج به على الغير سواء أكان مشتريا أم دائنا مرتهنا ، بحيث أن تاريخ التقييد هو الذي يحدد من له الأولوية بين المنتفع من الإبراء والغير .

 وإلى جانب  الإبراء أوجب المشرع تسجيل كل حوالة لقدر مالي يوازي كراء عقار لمدة تزيد عن السنة، وأخضعها لنفس الشروط المتعلقة  بالإبراء خاصة فيما يتعلق بضرورة تحريرها في محرر ثابت التاريخ، فالحوالة إما أن تكون حوالة حق أو حوالة دين، فحوالة الحق يقصد بها إتفاق يحول بمقتضاه الدائن حقه الذي في ذمة المدين إلى شخص أجنبي فيحل بذلك الأجنبي محل الدائن في هذا الحق، أما حوالة الدين فتعني إلتزام يتفق بموجبه المدين مع الأجنبي على أن يتحمل عنه الذين الذي هو في ذمته[4].

[1] محمد خيري، مستجدات قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي الطبعة الثانية سنة 2018 ،ص 504.

[2] أشرف الجنوي، محسن الصويب، أحكام التحفيظ والتقييد في ضوء مستجدات القانون 14.07المغير و المتمم لظهير التحفيظ العقاري”، ط الأولى 2019، ص162.

[3]  قرار محكمة النقض عدد 96  الصادر بتاريخ 11 فيراير 2012، نقلا عن الأستاذ إدريس الفاخوري ، الوسيط في شرح نظام التحفيظ العقاري بالمغرب،  الطبعة الرابعة سنة 2020، ص 256.

4عبد الرزاق أحمد السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام الجزء الأول دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان ص 310.

Leave a Comment